كم يحتاج الناس إلى استعادة الأخلاق التي تدعمهم في حياتهم وتؤهلهم إلى أن ينالوا المراتب العليا في الرحمة وفي الحب وفي التسامح ويكونوا ورثة الأنبياء في كل خصلة من الخصال الحميدة وليس في الخصال الأخرى التي لا تمت إلى دين الأنبياء ولا إلى خصالهم الشخصية والتي ألصقت بهم عن طرف وجنب وبما لا يمت لهم أو إلى تعاليمهم بصلة لا من قريب ولا من بعيد.
إنّ الإنسان هو الذي يعمل على تحديد طبيعة شخصيته والأخلاق التي يرغب في أن يتحلى بها، وليس لأحد في ذلك عليه سلطة، وهو الشخص الوحيد القادر على أن يطور من نفسه أيضاً سواء في الأخلاق التي اكتسبها أم في أي شيء آخر، ومن هنا فإن كان الإنسان ذو خلق سيء فإن خلقه هذا يكتسب هذا السوء منه، أما إن كان خلقه جيداً فهذا الخلق يكتسب هذه الإيجابية منه أيضاً.
ومن أهم الأخلاق والصفات التي يتوجب على الإنسان أن يتمتع بها أكثر من غيرها هي صفة الحلم، وتعني أن لا يكون الإنسان سريعاً في غضبه أو أن يغضب بسبب أو بلا سبب وكلما أراد ذلك، فأغلب حالات الغضب تكون غير مبررة إذا ما نظرنا إليها نظرة موضوعية وهي إما تكون للتباهي أو أنها تكون للتفاخر أو لاعتقاد الناس بأن الغضب يفرض الشخصية، أو أن الغضب يكون بسبب تراكمات وفي هذه الحالة تتفرغ كل هذه التراكمات عند أبسط موقف قد يتعرض له الإنسان مما يجعل صورته سيئة وبشكل كبير لأن من رأى حجم الغضب الذي غضبه لأجل سبب تافه فإن ذلك سيكون مدعاة لأن يبتعد الناس عنه، فهم لن يقدروا حتماً ما مر به هذا الشخص من أزمات دفعته إلى أن يغضب كل هذا الغضب، لأن الناس لا يكترثون بالبواطن وغير قادرين على أن يتعبوا تفكيرهم وينتجوا رسائل عصبية في أدمغتهم ليفرضوا ولو فرضاً بسيطاً سوء أوضاع هذا الشخص.
من أبرز الطرق التي تجعل الإنسان حليماً أن يدرك الحقيقة السبقة وهي أن الأسباب التي تدفع للغضب ولإهانة النفس بهذا التصرف هي أسباب تافهة، وأن يدرك أيضاً أن محاولة فرض الشخصية بالغضب هي محاولة بائسة، لأن الشخصية لا تفرض إلا بالاحترام وبالحب وبالتسامح فقط. كما أن من أهم الطرق التي تبعد الإنسان عن الغضب وتجعله حليماً هي أن يترك الناس الذين يحاولون أن يروه في حالة العصبية، وهذا من شأنه أن يقلل من المحفزات التي تحفزه على الغضب وبشكل كبير جداً، فالناس المحيطون لا يكترثون بمشاعر الشخص وبما ستؤول إليه أموره بعد الغضب، فهم لا يهتمون إلا برؤية ما يبهجهم وما يسعدهم ولولا هذه المزية لما بني الكولوسيوم في إيطاليا.