سؤال :
ماهي نصيحتكم لمن يرى نفسه في طريق الانتكاسة - والعياذ بالله - بعد ما كان في الصف الأول، وكان يكثر من تلاوة القرآن، وأعمال البر، والآن بالكاد أن يؤدي الفرائض ، والله المستعان؟
الجواب:
أمر الانتكاسة ، يحدث بسببين اثنين فيما يظهر لي، والله أعلم .
السبب الأول : ضعف الإخلاص والمراقبة لله سبحانه وتعالى .
السبب الثاني : الجهل .
فالإنسان ينبغي دائما أن يراجع نفسه في الإخلاص لله سبحانه وتعالى ، دائما أن يراجع نفسه ليكون مخلصا العبادة ، ومخلصا العمل لله وحده سبحانه وتعالى ؛
أما تروا أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان من دعائه الذي علمه لنا : "يا مقلب القلوب تبث قلبي على دينك "(1) ، فالمسلم دائما يراجع نفسه في الإخلاص .
الأمر الثاني : الجهل ، و الجهل له مظاهر عدة :
من مظاهره : الانصراف عن طلب العلم.
من مظاهره : صحبة أهل السوء.
من مظاهره : عدم اغتنام الأوقات وتضييع العمر.
من مظاهره : عدم الاهتمام بمعرفة الحلال والحرام ، في ما يجوز له أكله وما لا يجوز له أكله إلى غير ذلك من المظاهر ؛
ولذلك الإنسان إذا لم يراقب الله سبحانه وتعالى ، ويبتعد عن الجهل بكل مظاهره ، تحدث له مثل هذه الانتكاسة إلا أن يشاء الله .
فنصيحتي لهذا الأخ : أن يراجع نفسه في باب الإخلاص لله سبحانه وتعالى ، والمراقبة له ، وأن يحرص على حمل نفسه على دفع صفة الجهل ؛ و الجهل ليس فقط أن تتعلم ، وتدرس ، لا
بل من صفة الجهل أن تتعلم ، وتدرس ، ولا تعمل بما تعلم ، بحيث إنك لا تتأدب في نفسك بما تتعلم، فإن طبقت وتأدبت بما تعلم زالت عنك مظاهر الجهل .
بعض الإخوة قد يكون لديه اطلاع ، يعرف ، ويطلع ،... لكنه لم يعمل بما علم!
ترك العمل بما علم يسبب وجود مظاهر الجهل في الشخصية العلمية، فيؤدي به إلا أن يشاء الله إلى هذه الانتكاسة .
فلابد على الطالب أن يحمل نفسه على مراقبة الله عز وجل ، وتحقيق الإخلاص ، وعلى مراقبة الله عز وجل في رفع الجهل ؛
يقول الإمام مالك رحمه الله : " ليس العلم بكثرة الرواية ، ولكن العلم نور يقذفه الله في القلب " (2) ، يعني يظهر أثره على الجوارح ، هذا هو العلم ؛
ولذلك هناك علماء فساق ، و عباد ضلال ، فقد جاء عن سفيان ابن عيينة انه قال : " من فسد من علمائنا ففيه من اليهود شبه ، ومن فسد من عبادنا ففيه من النصارى شبه "( 3 ) ؛
والله عز وجل حذرنا هذين الأمرين ، حذرنا طريق المغضوب عليهم ، وطريق الضالين ، وكلاهما طريق اجتمع فيه عدم الإخلاص ، والجهل ، الجهل بمظاهره التي ذكرتها ؛ فترك تحقيق هذه الأمور يوقع القلب في انتكاسة، وتجنبهما طريق السلامة من هذه الانتكاسة بإذن الله، والله المستعان .
___________________________
(1 ) عن أَنَسٍ رضى الله عنه قَالَ: ((كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ: ((يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ))، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، آمَنَّا بِكَ، وَبِمَا جِئْتَ بِهِ، فَهَلْ تَخَافُ عَلَيْنَا؟ قَالَ: ((نَعَمْ، إِنَّ الْقُلُوبَ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّهِ، يُقَلِّبُهَا كَيْفَ يَشَاءُ) . اخرجه الترمذي، كتاب القدر، باب ما جاء أن القلوب بين أصبعي الرحمن، برقم 2140، وأحمد، 19/ 160، برقم 12107، ومصنف بن أبي شيبة، 11/ 36، برقم 31044، وشعب الإيمان للبيهقي، 2/ 209، ومسند أبي يعلى، 6/ 359، والمختارة للضياء المقدسي، 2/ 458، وصححه الألباني في صحيح الترمذي، برقم 2140.
( 2 ) قال الإمام مالك بن أنس رحمه الله : " العلم نورٌ يجعله الله حيث يشاء، ليس بكثرة الرواية ". (حلية الأولياء لأبي نعيم الأصبهاني جـ 6 صـ 319 )
( 3 ) قال سفيان بن عيينة رحمه الله : " من فسد من علمائنا ففيه شبه من اليهود، ومن فسد من عبادنا ففيه شبه من النصارى "
ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في عدة مواضع منها : كتاب توحيد الألوهية ص 65 ، ومجموع الفتاوى ج 16 ، كتاب التفسير الجزء الثالث ، تفسير سورة الكافرون ، ص 312 / وكذلك ذكره الإمام ابن كثير رحمه الله في البداية والنهاية ج 11 ص 133 ).
فرغها من لقاء البارحة وخرج الأحاديث والآثار، الأخ إكليل الجبل جزاه الله خيراً .
منقول من حساب الشيخ محمد بازمول حفظه الله