بسم الله
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له و من يضلل فلا هادي له ، و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له و أشهد أن محمدا عبده ورسوله صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله و صحبه و إخوانه إلى يوم الدين
أما بعد :
إعلم رحمك الله أن طلب العلم من أجل القربات التي يتقرب بها العبد إلى ربه جل وعلا كيف لا و به تنال الدرجات في الجنات يقول الله جل وعلا في كتابه الكريم " يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ " [المجادلة : 11]
ثم إن النبي عليه الصلاة والسلام حث أيما حث على طلب العلم بل و رغب فيه و في تحصيله
فقد روى أبو داود ، والترمذي ، وابن ماجه ، وصححه ابن حبان عن أبي الدرداء مرفوعا : " من سلك طريقا يلتمس فيه علما ، سهل الله له به طريقا إلى الجنة ، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع ، وإن العالم ليستغفر له من في السماوات ومن في الأرض حتى الحيتان في الماء ، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب ، وإن العلماء ورثة الأنبياء لم يورثوا دينارا ، ولا درهما إنما ورثوا العلم ، فمن أخذه أخذ بحظ وافر " .
و عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم - : " من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة " ، رواه مسلم ، وأصحاب السنن .
و ها هنا أحببت ان أذكر قصة محفزة حصلت ليحيى بن يحيى الليثي صاحب أفضل رواية من روايات موطأ الإمام مالك رحمه الله مع شيخه الإمام مالك الذي حثه على العلم و تحصيله
ساق ابن بطال بسنده إلى يحيى بن يحيى الليثي (تلميذ مالك) قال:
أول ما حدثنى مالك بن أنس : حين أتيته طالبا لما ألهمنى الله إليه فى أول يوم جلست إليه قال لى:
اسمك؟
قلت له:
أكرمك الله يحيى.
وكنت أحدث أصحابى سناً.
فقال لى:
يا يحيى، الله الله،
عليك بالجد فى هذا الأمر، وسأحدثك فى ذلك بحديث يرغبك فيه، ويزهدك فى غيره.
قال:
قدم المدينة غلام من أهل الشام بحداثة سنك فكان معنا يجتهد ويطلب حتى نزل به الموت، فلقد رأيت على جنازته شيئا لم أر مثله على أحد من أهل بلدنا،
لا طالب ولا عالم،
فرأيت جميع العلماء يزدحمون على نعشه.
فلما رأى ذلك الأمير أمسك عن الصلاة عليه،
وقال:
قدموا منكم من أحببتم.
فقدم أهل العلم ربيعة.
ثم نهض به إلى قبره.
قال مالك:
فألحده فى قبره ربيعة،
وزيد بن أسلم،
ويحيى بن سعيد،
وابن شهاب،
وأقرب الناس إليهم محمد بن المنذر،
وصفوان بن سليم،
وأبو حازم وأشباههم،
وبنى اللِّبن على لحده ربيعة،
وهؤلاء كلهم يناولوه اللبن!
قال مالك:
فلما كان اليوم الثالث من يوم دفنه رآه رجل من خيار أهل بلدنا فى أحسن صورة غلام أمرد،
وعليه بياض،
متعمم بعمامة خضراء،
وتحته فرس أشهب نازل من السماء،
فكأنه كان يأتيه قاصداً ويسلم عليه،
ويقول:
هذا بلغني إليه العلم.
فقال له الرجل:
وما الذى بلغك إليه؟
فقال:
أعطانى الله بكل باب تعلمته من العلم درجة فى الجنة، فلم تبلغ بى الدرجات إلى درجة أهل العلم،
فقال الله تعالى:
زيدوا ورثة أنبيائى،
فقد ضمنت على نفسى أنه من مات وهو عالم سنتى،
أو سنة أنبيائى، أو طالب لذلك أن أجمعهم فى درجة واحدة.
فأعطانى ربى حتى بلغت إلى درجة أهل العلم،
وليس بينى وبين رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إلا درجتان،
درجة هو فيها جالس وحوله النبيون كلهم،
ودرجة فيها جميع أصحابه،
وجميع أصحاب النبيين الذين اتبعوهم،
ودرجة من بعدهم فيها جميع أهل العلم وطلبته،
فسيرنى حتى استوسطتهم
فقالوا لى: مرحبا، مرحبا، سوى ما لى عند الله من المزيد.
فقال له الرجل:
ومالك عند الله من المزيد؟
فقال:
وعدنى أن يحشر النبيين كلهم كما رأيتهم فى زمرة واحدة،
فيقول:
يا معشر العلماء،
هذه جنتى قد أبحتها لكم، وهذا رضوانى قد رضيت عنكم،
فلا تدخلوا الجنة حتى تتمنوا وتشفعوا،
فأعطيكم ما شئتم،
وأشفعكم فيمن استشفعتم له، ليرى عبادى كرامتكم على، ومنزلتكم عندى.
فلما أصبح الرجل حدث أهل العلم،
وانتشر خبره بالمدينة.
قال مالك:
كان بالمدينة أقوام بدؤوا معنا فى طلب هذا الأمر ثم كفوا عنه،
حتى سمعوا هذا الحديث، فلقد رجعوا إليه،
وأخذوا بالحزم،
وهم اليوم من علماء بلدنا، الله الله يا يحيى جد فى هذا الأمر.
[شرح ابن بطال 1/ 134]
رقم (91)