أنزل الله سبحانه وتعالى القرآن على رسوله صلى الله عليه وسلم، وبينه له، وأمره ببيانه.
قال تعالى: (إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (17) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (1 ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَ) (القيامة: 17 – 19).
وقال تعالىوَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) (النحل: 44).
فكان هذا هو المصدر الأول لبيان معاني القرآن العظيم وفهمه.
وتلقى معاني القرآن عن رسول الل صحابته الكرام، الذين شاهدوا نزو الوحي، واحتفوا بقرائن النزول، ووقائعه وملابساته، مع كونه نزل بلغتهم التي بها يتكلمون، فصار الصحابة هم المصدر الثاني لبيان القرآن الكريم.
فلزم الأمة اتباع ما جاء به الرسول ، وفق البيان الذي علمه الرسو لصحابته الكرام، ونقلوه لمن بعدهم، فمن خرج عن هذا النهج، فقد خرج عن الصراط المستقيم.
وقال الله تبارك وتعالى: (وَمَنْ يُشَاقِق الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا)(النساء: 115).
وترتب على هذا أمور ؛
منها أنه لا يجوز للمفسر بالرأي أن يأتي بمعنى يخالف مخالفة تضاد ما جاء عن رسول الله أو عن الصحابة .
وهذا أهم شروط قبول التفسير بالرأي ، وسائر الشروط تبع له.
فشرط موافقة السياق.
وشرط موافقة اللغة.
وشرط أن لا يأتي بمعنى يخرج عن الإسلام.
وشرط أن لا يؤيد أهل البدع.
كلها ترجع إلى شرط أن لا يخالف التفسير الوارد عن الرسول وعن الصحابة مخالفة تضاد!
فمن جاء بتفسير للقرآن يخالف ذلك فقد أحدث في تفسير القرآن حدثاً، هو بدعة ضلالة.
ومنها أن أعداء الدين صار همهم وتركيزهم إبطال الرجوع إلى تفسير السلف؛ فالقراءات المعاصرة للقرآن العظيم كلها تنتهي إلى هذه الغاية، وهي فصل تفسير القرآن العظيم عن المعاني التي بينها الرسول وقررها الصحابة رضوان الله عليهم!
ومنها أن التفسير اللغوي للقرآن العظيم لا يعتمد في بيان معاني القرآن ما لم يخرج عن مخالفة التفسير الوارد عن الرسو والصحابة الكرام مخالفة تضاد.
ولذلك ليس كل ما ساغ لغة ساغ تفسيراً.
وليس كل ما ساغ إعراباً ساغ تفسيراً.
وهذا يشير إلى أن تفسير القرآن يراعى فيه المعنى المراد، لا مجرد معنى اللفظ بحسب اللغة!
وما تمت الإحالة فيه إلى لغة العرب إنما المراد به، أن المعنى المراد بحسب ما جاء عن الرسو والصحابة الكرام هو ذلك، لا أن لغة العرب هي المعتمدة في تقريره بمجردها!
ففي تفسير الطبري (جامع البيان ط هجر 1/ 70): قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: "التَّفْسِيرُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ:
وَجْهٍ تَعْرِفُهُ الْعَرَبُ مِنْ كَلَامِهَا.
وَتَفْسِيرٌ لَا يُعْذَرُ أَحَدٌ بِجَهَالَتِهِ.
وَتَفْسِيرٌ يَعْلَمُهُ الْعُلَمَاءُ.
وَتَفْسِيرٌ لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ".
فالمراد بذلك الوجه الذي تعرفه العرب من كلامها ، هو ما أحال الرسو الصحابة في بيانه على لغة العرب؛ لا أن لغة العرب تستقل ببيان معاني القرآن العظيم، وإلا ما كان لهذه الوجوه الأخرى معنى!
ومنها أن ما ورد عن التابعين في التفسير، لا يأخذ مكانه في التفسير بالمأثور إلا إذا جزم بأنه يتحقق فيه أنه مأخوذ عن الصحابة، ولذلك قيد بأن يكون مما اتفقوا عليه، وإلا فإن كلامهم ككلام غيرهم في معاني القرآن العظيم.
فإن قيل : ألم يجتهد الصحابة في تفسير القرآن العظيم؟
فالجواب : بلى اجتهدوا، ولكن اجتهادهم كان مبنيا على بيان النب للقرآن وما شاهدوه وعلموه من قرائن التنزيل ووقائع التأويل؛ فاجتهادهم في التفسير يحمل في طياته البيان الذي علموه من النبي لمعاني القرآن العظيم.
وبهذه الطريقة لا يفهم القرآن العظيم فقط، بل الدين كله؛ إذ هو يقوم على ما جاء عن الله ورسوله ، بما نقلوه الصحابة من بيان!
وهذا يفسر اهتمام الأئمة رحمهم الله بجمع التفسير الوارد عن الصحابة رضي الله عنهم في تفسير القرآن الكريم.
واعلم أن بيان النبي للقرآن العظيم على صور شتى؛
فتارة يذكر الرسول الآية ويفسرها.
وتارة يذكر الرسول ما يفسر الآية بغير أن يذكرها.
وتارة يفسر الآية بالتطبيق العملي منه ، فكل ما ورد عنه في الصلاة ، وفي الزكاة، هو بيان لقوله تعالى: (وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة)، وكل ما ورد عنه في الصوم هو بيان لآيات الصوم، وهكذا في آيات الحدود والعقوبات، وغيرها.
وتارة يفسر القرآن بخلقه الذي كان عليه في كل شأنه .
وبهذا تعلم أن الرسول فسر جميع القرآن وبينه، امتثالاً لأمر ربه له ببيانه، فكان فيه إنهاء الاختلاف والهدى والرحمة؛
وقال تعالىوَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)(النحل: 64).
الشيخ محمد بن عمر بازمول من صفحته