الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد:
فقد تضافرت النصوص الصحيحة في النهي عن إشغال المصلي بالملهيات في جهة القبلة، وما نراه اليوم من زخرفة ونقوش وتفنن في العمارة والتباهي بها، دليل على بُعد المسلمين عما كان عليه الأمر الأول، وأن القائمين على عمارة تلك المساجد لا يرفعون رأسا بالنصوص الواردة في هذا الباب.
وما نشاهده في بعض المساجد التي يحرص أهلها والقائمون عليها على السنة فضلا عن غيرهم، من وضع مكتبة مليئة بالكتب في جهة القبلة، هو مخالف لهذه النصوص التي دلت على الكراهة.
أخرج البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه كان قرام لعائشة رضي الله عنها سترت به جانب بيتها فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أميطي عنا قرامك هذا فإنه لا تزال تصاويره تعرض في صلاتي)).
القرام بكسر القاف وتخفيف الراء: ستر رقيق من صوف ذو ألوان.
وأميطي: أزيلي.
قال العلامة ابن رجب رحمه الله في ((فتح الباري)): ((... دليلاً عَلَى كراهة أن يصلي إلى مَا يلهي النظر إليه)) اهـ.
وفي الحديث المتفق عليه عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في خميصة لها أعلام فنظر إلى أعلامها نظرة فلما انصرف قال: ((اذهبوا بخميصتي هذه إلى أبي جهم وأتوني بأنبجانية أبي جهم فإنها ألهتني آنفا عن صلاتي)).
الخميصة: كساء مربع من صوف.
والأنبجانية: كساء يتخذ من صوف، وله خمل، ولا علم له.
قال ابن بطال رحمه الله في ((شرح صحيح البخارى)): ((وفى ردّه صلى الله عليه وسلم الخميصة تنبيه منه وإعلام أنه يجب على أبى جهم من اجتنابها فى الصلاة مثلما وجب على النبى ؛ لأن أبا جهم أحرى أن يعرض له من الشغل بها أكثر مما خشى الرسول)) اهـ.
كذلك على المصلي أن يجتنب المكتبة التي قبالة القبلة كي لا تعرض له الكتب فتلهيه عن صلاته.
قال المهلب رحمه الله كما في ((شرح صحيح البخارى)) لابن بطال: ((وإنما أمر باجتناب مثل هذا لإحضار الخشوع فى الصلاة وقطع دواعى الشغل)) اهـ.
فزخرفة الكتب وألونها وعناوينها وأسماء المؤلفين والمحققين ودور النشر وطريقة تنسيقها وهي في مكتبة في جهة القبلة مما يشغل المصلي ويلهيه عن صلاته وخاصة الذين أشربت قلوبهم محبتها، فيذهب بخشوعهم وتلهيهم عن صلاتهم.
وبعض أهل العلم كره وضع المصحف في القبلة فكيف بالكتب التي في هذا العصر وهي على درجة كبيرة من الزخرفة؟
قال ابن القاسم رحمه الله كما في ((البيان والتحصيل)): ((كان مالك يكره أن يكتب في القبلة في المسجد شيء من القرآن، أو التزاويق، ويقول: إن ذلك يشغل المصلي)) اهـ.
وقال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله كما في ((مسائله)): ((كل شيء في القبلة فهو مكروه حتى المصحف.
قال إسحاق بن راهويه:كما قال)) اهـ.
وقال أحمد رحمه الله كما في ((المغني)): ((ولا يكتب في القبلة شيء ، وذلك لأنه يشغل قلب المصلي ، وربما اشتغل بقراءته عن صلاته)) اهـ.
وقال ابن قدامة رحمه الله في ((المغني)): ((حتى كانوا يكرهون أن يجعلوا شيئا في القبلة حتى المصحف)) اهـ.
هذا والله أعلم وبالله التوفيق وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
كتبه
عزالدين بن سالم بن الصادق أبوزخار
طرابلس الغرب: يوم الخميس 4 ربيع الأول سنة 1439 هـ
الموافق لـ: 23 نوفمبر سنة 2017 ف