موقف الإخوان من التوسل
6 – حسن البنا رحمه الله تعالى قال في ( الأصل الخامس عشر ) : " و الدعاء إذا قرن بالتوسل إلى الله تعالى بأحد من خلقه خلاف فرعي في كيفية الدعاء وليس من مسائل العقيدة " أهـ
ويقول الاستاذ جاسم المهلهل في كتابه في ص: 109 :
" أنكر على الاستاذ البناء رحمه الله قوله في الأصل الخامس عشر ( والدعاء إذا قرن بالتوسل إلى الله بأحد خلقه خلاف فرعي في كيفية الدعاء وليس من مسائل العقيدة) .. ثم يقول الأخ جاسم لتبرير هذا الكلام :
" هذا القول ليس خاصاً به رحمه الله بل يمكن استخلاصه من
كلام الشيخ الألباني عندما قال :... وأما ما عدا هذه الأنواع من التوسلات ( ففيه خلاف) و الذي نعتقده وندين الله به أنه غير جائز ولا مشروع لأنه لم يرد به دليل تقوم به الحجة وقد أنكره العلماء المحققون في العصور الإسلامية المتعاقبة مع أنه قال ببعضه بعض الأئمة ، فأجاز الإمام أحمد التوسل بالرسول صلى الله عليه وسلم وحده، وأجاز غيره كالإمام الشوكاني التوسل به وبغيره من الأنبياء و الصالحين" .
ولنا مع كلام الأخ جاسم هذه الوقفة فنقول وبالله التوفيق :
أولاً : إن قولك ( هذا القول ليس خاصاً به رحمه الله بل يمكن
استخلاصه من كلام الشيخ الألباني ) قول خاطئ واستخلاص خاطئ أيضاً، حيث أن قول العلامة الألباني ( ففيه خلاف) لا يعني ذلك أن هذا الأمر ليس من مسائل الاعتقاد، وكذلك لم يذكر الشيخ الألباني بأن هذا الأمر من مسائل الفروع .. وهذا لا شك ناشئ من سوء فهمك لكلام الشيخ الألباني.
ثانياً : ومما يدل على أن هذا الأمر من مسائل العقيدة و التوحيد
وليس من مسائل الفروع ما قال شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله في كتابه القيم ( قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة ) ص:125 :" وكنت وأنا بالديار المصرية في سنة أحدة عشر وسبعمائة قد استفتيت عن التوسل
بالنبي صلى الله عليه وسلم فكتبت في ذلك جواباً مبسوطاً وقد أحببت إيراده هنا
لما في ذلك من مزيد الفائدة فإن هذه القواعد المتعلقة بتقرير التوحيد وحسم مادة الشرك و الغلو- كلما تنوع بيانها و وضحت عبارتها كان ذلك نوراً على نور" أهـ ، فدل كلام شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله أن هذه المسألة من مسائل العقيدة و التوحيد وليست من مسائل الفروع أو الكيفيات .
ثالثاً : قال الشيخ العلامة حمود بن عبد الله التويجري حفظه الله
في جوابه على رسالة بعثت بها إليه أسأله عن هذه المسألة .. فأجاب مشكوراً بقوله :" الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه
أجمعين، أما بعد: فإن التوسل إلى الله تعالى بذوات بعض المخلوقين أو بجاههم قد ذكره شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيميه رحمه الله تعالى في مواضع كثيرة من كتبه ومن أوسعها في ذلك كتاب ( التوسل و الوسيلة) وهو مطبوع مفرداً، وفي الجزء الأول من مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيميه فليراجع فإنه مهم جداً
وقد قال فيه ما ملخصه:
" وأما التوسل بالنبي و التوجه به في كلام الصحابة فيريدون به التوسل بدعائه وشفاعته، و التوسل به في عرف كثير من المتاخرين يراد به الإقسام به و السؤال به كما يقسمون بغيره من
لأنبياء و الصالحين ومن يعتقد فيه الصلاح – إلى أن قال – فلفظ التوسل يراد به ثلاثة معان، أحدها :التوسل بطاعته فهذا فرض لا يتم الإيمان إلا به، و الثاني : التوسل بدعائه وشفاعته وهذا كان في حياته ويكون يوم القيامة يتوسلون بشفاعته، و الثالث : التوسل به بمعنى الإقسام على الله بذاته و السؤال بذاته، فهذا الذي لم تكن الصحابة يفعلونه في الإستسقاء ونحوه لا في حياته ولا بعد مماته لا عند قبره ولا قبر غيره، ولا يعرف هذا في شيء من الأدعية المشهورة، وإنما
ينقل شيء من ذلك في أحاديث ضعيفة مرفوعة وموقوفة أو عن من ليس قوله بحجة، وهذا هو الذي قاله أبو حنيفة وأصحابه إنه لا يجوز ونهوا عنه حيث قالوا: لا يسأل بمخلوق ولا يقول أحد: أسألك بحق أنبيائك، قال أبو حنيفة: لا ينبغي لأحد أن يدعو الله إلا به وأكره أن يقول: بمقاعد العز من عرشك أو بحق خلقك، وهو قول أبي يوسف، قال أبو يوسف: أكره ان يقول: بحق فلان أو بحق أنبيائك ورسلك وبحق البيت الحرام و المشعر الحرام.
قال القدوري:
المسالة بخلقه لا تجوز لأنه لا حق للخلق على الخالق فلا تجوز اتفاقاً،
قال شيخ الإسلام ابن تيميه: وهذا من أبي حنيفة وأبي يوسف وغيرهما يقتضي المنع أن يسأل الله بغيره. وقال شيخ الإسلام أيضاً : إن السؤال بمجرد ذوات الأنبياء و الصالحين غير مشروع وقد نهى عنه غير واحد من العلماء وقالوا : إنه لا يجوز. وذكر شيخ الإسلام أيضاُ أن قولهم: اسألك بجاه نبينا أو بحقه ليس فيه سنة عن النبي صلى الله عليه وسلم بل السنة تدل على النهي عنه. انتهي المقصود من كلامه رحمه الله ،
ثم أردف الشيخ التويجري حفظه الله قائلا: " ويستفاد من قوله أن السنة تدل على النهي عن التوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم ; وبحقه أن الصحابة رضي الله عنهم لم يكونوا يتوسلون بذاته لا في حياته ولا بعد مماته أن التوسل بذاته وجاهه وحقه من المحدثات، وقد حذر النبي ; صلى الله عليه وسلم من المحدثات وقال :" كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة" وأمر صلى الله عليه وسلم برد المحدثاث و الأعمال التي ليس عليها أمره كما في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد"
وفي رواية لمسلم و البخاري تعليقاً مجزوماً به "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد" أي مردود .
و في هذا الحديث و الحديث الذي قبله أبلغ الرد على من أجاز التوسل بذوات المخلوقين وجاههم .
ثم قال حفظه الله :" وما كان مردوداً بالنص الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم
فالقول بجوازه قول باطل يمس العقيدة وليس في الخلاف في الفروع " . وحول قول الإمام أحمد رحمه الله وغيره بجواز التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم قال الشيخ التويجري حفظه الله :
" وقد جاء في إحدى الروايتين عن الإمام أحمد انه جوّز التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم
وجاء مثل ذلك في فتاوى العز ابن عبد السلام، وهذا القول مردود بحديث عائشة رضي الله عنها الذي تقدم ذكره، ولا قول لأحد مع رسول الله ، وليست أقوال أحمد ولا غيره من العلماء
حجة، وإنما الحجة فيما جاء في كتاب الله وما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
وما أجمع المسلمون عليه وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه " . أ هـ.
رابعاً : قال الشيخ صالح بن فوزان الفوزان عضو هيئة كبار العلماء في
المملكة العربية السعودية في رسالة بعثت بها إليه أسأله فيها حول هذه المسألة، فأجاب ما نصه وحرفه مشكوراً :" السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
وصلتني رسالتكم التي طلبتم فيها الإجابة عن أسئلة في العقيدة
وهي :
أولاً : هل التوسل بالمخلوقين في الدعاء يعتبر الخلاف في حكمه خلافاً فرعياً وليس هو من مسائل العقيدة؟
الجواب عن ذلك : أن التوسل في الدعاء بذوات المخلوقين أو حقهم أو جاههم يعتبر أمراً مبتدعاً و وسيلة من وسائل الشرك، و الخلاف فيه يعتبر خلافاً في مسائل العقيدة لا في مسائل الفروع، لأن الدعاء أعظم أنواع العبادة ولا يجوز فيه إلا ما ورد في الكتاب و السنة، ولم يرد في الكتاب و السنة السؤال بالمخلوقين أو حقهم أو جاههم وإنما ورد الأمر بدعاء الله مباشرة من غير توسط بأحد من خلقه {وقال ربكم ادعوني أستجب لكم}{فادعوا الله مخلصين له الدين} وإذا انضاف إلى التوسل بالمخلوق التقرب إليه بشيء من القربات كالذبح له و النذر له فهذا شرك أكبر كما قال تعالى{ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله } ولما كان الدعاء أعظم أنواع العبادة، والعبادة توقيفية فإنه لا يجوز أن يدعى الله سبحانه وتعالى إلا بالكيفية الواردة في الكتاب و السنة، وليس في تلك الكيفية التوسل بالمخلوقين و حقهم أو جاههم في الدعاء فيكون بدعة وكل بدعة ضلالة والله أعلم .
ثانياً : هل ثبت عن الإمام أحمد رحمه الله جواز التوسل بالنبي لله
وكذلك العز بن عبد السلام رحمه الله ؟
الجواب :
أ – ذكر شيح الإسلام ابن تيميه رحمه الله أن أحمد أجاز ذلك بالنبي خاصة قال : ولكن قد يخرج على إحدى الروايتين عنه جواز الحلف به.
ب – وذكر أيضاً الشيخ أن في فتاوى الفقيه أبي محمد بن عبد السلام
أنه أفتى لا يقسم على الله بأحد من الملائكة و الأنبياء لكن ذكر له أنه روي عن النبي ; صلى الله عليه وسلم حديث الإقسام به فقال : إن صح الحديث كان خاصاً به و الحديث المذكور لا يدل على الإقسام به وإنما يدل على التوسل بدعائه . انتهى مجموع الفتاوى (1/140, 347).
ثم قال الشيخ الفوزان حفظه الله :
وحتى لو ثبت عنهما القول بجواز ذلك فكل أحد يؤخذ من قوله ويرد عليه إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم والله أعلم و السلام عليكم رحمة الله وبركاته " أهـ
خامساً : إضافة لما تفضل به الشيخان التويجري و الفوزان من بيان
عدم جواز التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم ولا غيره من المخلوقين وأن الخلاف في هذا الأمر ليس خلافاً فرعياً بل هو من الخلاف في مسائل العقيدة، أذكر ما قاله شيخ الإسلام ابن تيميه
رحمه الله في كتابه القيم ( قاعدة جليلة في التوسل و الوسيلة)
ص: 21 ما نصه:" ولو قدر أنه نازع في ذلك عالم مجتهد لكان مخصوماً بما عليه السنة المتواترة وباتفاق الأئمة قبله" أهـ.
وفي الختام أقول للأخ جاسم : بعد بيان ما تقدم يظهر واضحاً جلياً بأن
هذه المسألة (التوسل في الدعاء بأحد من المخلوقين) مسألة من مسائل العقيدة وليست من مسائل الفروع و الخلاف فيها يعتبر من الخلاف في العقيدة لا في الفروع أو الكيفيات، والقول بأنها من الخلاف في الفروع قول يساعد على تمييع العقيدة وعدم حمايتها من البدع والضلالات.