قال الشيخ حمود التويجري -رحمه الله-:
* * *
فصل
النوع الثاني والثلاثون من التشبُّه بأعداء الله - تعالى -:
إسقاط لفظة (ابن) في النسب كقولهم لِمَن اسمه أحمد بن محمد أحمد محمد ونحو ذلك وهذا معروفٌ عن الإفرنج من قرون كثيرة، وقد وقع في تقليدهم فيه ما لا يحصيه إلا الله - تعالى.
وهؤلاء المفتونون بالتقاليد الإفرنجية قد خالَفُوا الكتاب والسنة وما عليه المسلمون منذ عهد الصحابة إلى زمن قريب.
فأمَّا مخالفتهم للقرآن فقد ذكر الله - تعالى - عيسى ابن مريم في مواضع منه، يقول في كلٍّ منها: عيسى ابن مريم، ولم يقل: عيسى مريم وقال - تعالى -: ﴿وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا...﴾ [التحريم: 12] الآية، ولم يقل: ومريم عمران.
وفي "صحيح مسلم" عن أبي هريرة t عن النبي r أنه قال - يعني: الله تبارك وتعالى -: ((لا ينبغي لعبدٍ لي - وفي رواية: لعبدي - أن يقول: أنا خيرٌ من يونس بن متى)).
وأمَّا مخالفتهم للسنة فروى الإمام أحمد والترمذي عن المطَّلب بن أبي وداعة t قال: قال العباس t بلغه r بعض ما يقول الناس، قال: فصعد المنبر فقال: ((مَن أنا؟))، قالوا: أنت رسول الله، قال: ((أنا محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب...)) الحديث، قال الترمذي: هذا حديث حسن.
وفي "المسند" و"صحيح البخاري" عن ابن عمر - رضِي الله عنهما - عن النبي r أنه قال: ((الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم - صلَّى الله عليْه وسلَّم)).
وفي "المسند" أيضًا عن أبي هريرة t قال: قال رسول الله r: ((إن الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم خليل الرحمن)).
وفي الصحيحين و"المسند" و"سنن أبي داود" عن ابن عباس - رضِي الله عنهما - عن النبي r قال: ((لا ينبغي لعبدٍ أن يقول أنا خير من يونس بن متى))، زاد أحمد والشيخان: "ونسبه إلى أبيه".
وفي "المسند" و"سنن أبي داود" عن عبدالله بن جعفر - رضِي الله عنهما - قال: قال رسول الله r: ((ما ينبغي لنبيٍّ أن يقول: إني خيرٌ من يونس بن متى)).
وفي الصحيحين عن أبي هريرة t عن النبي r أنه قال: ((ولا أقول إن أحدًا أفضل من يونس بن متى)).
وفي "المسند" و"صحيح البخاري" عن عبدالله بن مسعود t قال: قال رسول الله r: ((لا ينبغي لأحدٍ أن يقول: أنا خير من يونس بن متى)).
وفي "المسند" أيضًا عن عبدالله بن عمرو - رضِي الله عنهما - قال: قال رسول الله r: ((يا عبدالله بن عمرو، إنك تصوم الدهر...))، وذكر تمام الحديث، وأصله في الصحيحين.
وفي الصحيحين عن معاذ بن جبل t قال: كنت ردف النبي r ليس بيني وبينه إلا مؤخرة الرحل فقال: ((يا معاذ بن جبل))، قلت: لبيك رسول الله وسعديك، ثم سار ساعة ثم قال: ((يا معاذ بن جبل))، قلت: لبيك رسول الله وسعديك، ثم سار ساعة ثم قال: ((يا معاذ بن جبل))، قلت: لبيك رسول الله وسعديك، قال: ((هل تدري ما حقُّ الله على العباد؟))، قال: قالت: الله ورسوله أعلم... الحديث.
وفي الصحيحين و"المسند" و"جامع الترمذي" عن عبدالله بن عمرو - رضِي الله عنهما - عن النبي r قال: ((استقرؤوا القرآن من أربعة: من عبدالله بن مسعود، وسالم مولى أبي حذيفة، ومعاذ بن جبل، وأبي بن كعب)).
وفي "جامع الترمذي" أيضًا عن أنس بن مالك t قال: قال رسول الله r: ((أرحم أمتي بأمتي أبو بكر، وأشدُّهم في أمر الله عمر، وأصدقهم حياءً عثمان بن عفان، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل، وأفرضهم زيد بن ثابت، وأقرؤهم أبي بن كعب، ولكلِّ أمة أمين، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح))؛ قال الترمذي: هذا حديث غريب.
وفي "جامع الترمذي" أيضًا عن أبي هريرة t قال: قال رسول الله r: ((نعم الرجل أبو بكر، نعم الرجل عمر، نعم الرجل أبو عبيدة بن الجراح، نعم الرجل أسيد بن حضير، نعم الرجل ثابت بن قيس بن شماس، نعم الرجل معاذ بن جبل، نعم الرجل معاذ بن عمرو بن الجموح)).
قال الترمذي: هذا حديث حسن، وقد رواه البخاري في "التاريخ الكبير" بمثله.
والأحاديث بنحو ما ذكرته كثيرةٌ جدًّا، ولم يؤثر عن النبي r أنه كان يُسقِط لفظة (ابن) في النسب، وخير الهدي هديه r وقد ثبت عنه r أنه قال: ((هدينا مخالف لهديهم))؛ يعني: المشركين؛ رواه الحاكم في "مستدركه" من حديث المسور بن مخرمة - رضِي الله عنهما - وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وافقه الذهبي في "تلخيصه".
وأما مخالفتهم لما عليه المسلمون قديمًا وحديثًا فممَّا لا يخفى على طالب علم، وما كان المسلمون يعرفون إسقاط لفظة (ابن) في النسب حتى كثرت مخالطتهم لطوائف الإفرنج فافتتن الجُهَّال بتقليدهم واتباع سننهم حَذْوَ النعل بالنعل.
المرجع: كتاب "الإيضاح والتبيين لما وقع فيه الأكثرون من مشابهة المشركين" (215-218).