قضية
بطالة المرأة السعودية
ينبغي التفريق هنا بين قضيتين :
الأولى : عمل المرأة .
والثانية : بطالة المرأة .
وذلك أن المسألة الأولى لا كلام فيها، فإن الأصل جواز عمل المرأة واكتسابها بشرط أن لا يوقعها عملها في مخالفة شرعية.
و لا يطالب من قال بجواز عمل المرأة بدليل؛ لأن من كان على الأصل لا يطالب بدليل إنما الدليل على المخالف الناقل على الأصل.
وقد جاءت روايات كثيرة تدل على البقاء على هذا الأصل وهو جواز عمل المرأة واكتسابها بشرط أن لا يوقعها ذلك في مخالفة شرعية؛ من ذلك :
أن السيدة خديجة بنت خويلد أم المؤمنين رضي الله عنها، كانت تعمل في التجارة، وتكتسب منها، وكان رسول الله r ممن عمل عندها، ومن ثم تزوجته عليه الصلاة والسلام، ولم يأت أن الرسول r بعد البعثة منعها من عملها في التجارة واكتسابها منه!
والسيدة زينب بنت جحش أم المؤمنين رضي الله عنها، كانت تعمل وتتصدق، فقد أخرج الشيخان عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: "أَسْرَعُكُنَّ لَحَاقًا بِي أَطْوَلُكُنَّ يَدًا" قَالَتْ: فَكُنَّ يَتَطَاوَلْنَ أَيَّتُهُنَّ أَطْوَلُ يَدًا! قَالَتْ: فَكَانَتْ أَطْوَلَنَا يَدًا زَيْنَبُ لِأَنَّهَا كَانَتْ تَعْمَلُ بِيَدِهَا وَتَصَدَّقُ".
ورَوَى الْحَاكِمُ فِي الْمَنَاقِبِ مِنْ مُسْتَدْرَكِهِ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْن سَعِيد عَنْ عَمْرَة عَنْ عَائِشَة قَالَتْ: قَالَ رَسُول اللَّهِ r لِأَزْوَاجِهِ : أَسْرَعُكُنَّ لُحُوقًا بِي أَطْوَلكُنَّ يَدًا! قَالَتْ عَائِشَة: فَكُنَّا إِذَا اِجْتَمَعْنَا فِي بَيْت إِحْدَانَا بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ r نَمُدُّ أَيْدِيَنَا فِي الْجِدَارِ نَتَطَاوَلُ , فَلَمْ نَزَلْ نَفْعَلُ ذَلِكَ حَتَّى تُوُفِّيَتْ زَيْنَب بِنْت جَحْش - وَكَانَتْ اِمْرَأَةً قَصِيرَةً وَلَمْ تَكُنْ أَطْوَلنَا - فَعَرَفْنَا حِينَئِذٍ أَنَّ النَّبِيَّ rَ إِنَّمَا أَرَادَ بِطُولِ الْيَدِ الصَّدَقَة , وَكَانَتْ زَيْنَب اِمْرَأَة صِنَاعَة بِالْيَدِ , وَكَانَتْ تَدْبُغُ وَتَخْرُزُ وَتَصَدَّقُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ" قَالَ الْحَاكِمُ: "عَلَى شَرْط مُسْلِم" اِنْتَهَى. وَهِيَ رِوَايَةٌ مُفَسِّرَةٌ مُبَيِّنَةٌ مُرَجِّحَةٌ لِرِوَايَةِ عَائِشَة بِنْت طَلْحَة فِي أَمْرِ زَيْنَب رضي الله عنها كما قال الحافظ ابن حجر في الفتح.
وأخرج مسلم عن أَبي الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: طُلِّقَتْ خَالَتِي فَأَرَادَتْ أَنْ تَجُدَّ نَخْلَهَا فَزَجَرَهَا رَجُلٌ أَنْ تَخْرُجَ فَأَتَتْ النَّبِيَّ r فَقَالَ: بَلَى فَجُدِّي نَخْلَكِ فَإِنَّكِ عَسَى أَنْ تَصَدَّقِي أَوْ تَفْعَلِي مَعْرُوفًا".
ويكفي في تقرير الجواز أن عمل المسلمين جار على ذلك من عصر النبوة إلى الآن بما لا يخالف هذا الأصل، فلم نسمع من يمنع المرأة أن تعمل وتكتسب في حدود ما يجوز لها شرعاً!
أمّا المسألة الثانية وهي بطالة المرأة؛ فهذا لا محل له في الإسلام، وذلك أن المرأة حاجتها مكفية؛ من زوجها إذا كانت زوجة، ومن أبيها إذا كانت بنـتاً، ومن وليها الذي تجب عليه شرعاً نفقتها، سواء كانت أماً، أو أختاً، أو زوجة، أو ابنة! و لا علاقة بين هذه المسألة والتي قبلها، فوجوب النفقة على المرأة أمر مطلق سواء كانت المرأة فقيرة أم غنية، فالرجل عليه نفقة زوجته وإن كانت غنية، وعليه نفقة أمه وأخته وابنته إن كان لا كافل لهن إلا هو وأن كن غنيات!
فإن قيل: ما فائدة تعليم المرأة وأخذها للشهادات العليا إذن؟!
فالجواب : المرأة تتعلم لأنها بالتعليم تكتسب مهارة التفاعل والتواصل مع العصر، وتستطيع الاستفادة من المعلومات التي تتدفق عبر وسائل الإعلام، فتحسن التعامل مع زوجها ومع أسرتها وأولادها، ومع مجتمعها، سواء كانت عاملة أو غير عاملة.
والمرأة تتعلم لفضيلة العلم بحد ذاته!
والمرأة تتعلم لأنها قد تحتاج إلى العمل، لا لأجل أن تعمل، فليس باللازم أن كل امرأة لديها شهادة تعمل، وتجد وظيفة خارج البيت!
والمرأة في الإسلام لها عملها ووظيفتها في بيتها في تبعل زوجها، ورعاية أولادها، وتربيتهم؛ أخرج الشيخان عن عَبْد اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ r يَقُولُ: "كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ الْإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي مَالِ أَبِيهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ".
ومخاطر خروج المرأة من بيتها وعملها في حدود ما لا يخالف الشرع بدون حاجة، كثيرة وقد تؤدي إلى ترتب مشاكل يتركب بعضها على بعض؛ فعلى سبيل المثال لا الحصر، إذا خرجت المرأة للوظيفة التي لا تخالف الشرع، تحصل الأمور التالية:
تقصر في حق زوجها، وكم من مشكلة ترتبت على ذلك!
تقصر في حق أولادها!
وتلجأ إلى الخادمات، وما أدراك ما الخادمات؟!
وقد تمشي قريباً من الحمى ويوشك أن تقع فيه!
وقد تترك إنجاب الأولاد !
وقد تضيع العمل الذي تقوم به بسبب طبيعة النقص التي تعتريها أعني: الحمل و الولادة، والحيض.
وقد ... وقد ...
لذا على المرأة أن تنظر بعين الرضى لكفالة الإسلام لحقها، وان لا تخرج للعمل إلا إذا ألجأتها ضرورة أو حاجة كأرملة لا كافل لها، أو مطلقة، أو من لا تجد من يقوم بكفالتها!
نعم المرأة إذا احتاجها مجتمعها للعمل في جانب وملكت هي القدرة عليه فلا كلام هنا معها، إنما نقول: أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّكُمْ لَنْ تُطِيقُوا أَوْ لَنْ تَفْعَلُوا كُلَّ مَا أُمِرْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ سَدِّدُوا وَأَبْشِرُوا".
كتبه
أ.د محمد بن عمر بازمول