بسم الله الرحمن الرحيم
جمع التفاسير لمعنى العلوج والأوغاد والطراطير
يكثر على لسان وزير الإعلام العراقي محمد سعيد الصحَّأف كلمة "العُلوج"، و"الطَّراطِير"، و"الأَوغاد" في تسمية قوات التحالف الكافر، وهي كلمات عربية فصيحة(1) تصدق على المقاتلين الغزاة للعراق.
وتلطَّف الصَّحاف لمن سأله من مراسلي الصحف الغربية عن معناها، فَفَسَّرها بكافر العجم، أو بالدودة التي تمتص الدماء، فلعله أخذه من "العَلَقة" وهي: دود في الماء تمتص الدم، والجمع "عَلَقٌ"(2).
أما "العُلوج" فهي: جمع "عِلْج" بكسر أوله وسكون ثانيه، وهو: العَيْر، والحمار، وحمار الوحش السمين القوي، ويُطْلق على الواحد من كفار العجم، وعلى القوي الضخم منهم، ويُجمع على "عُلُوجٌ" و"أعْلاج" و"عِلَجَةٌ"، ويُقال للمرأة منهم:عِلْجَة، ويطلق "العِلْج" على كل ذي لحية إذا غَلُظَ واشتد، وعلى الرغيف(3).
والعلوج معروفون بالجفاء والغِلْظة (4)، قال ابن فارس: "العين واللام والجيم: أصل صحيح يدل على تَمَرُّسٍ ومزاولة، في جفاء وغِلْظٍ. من ذلك العِلْج، وهو: حمار الوحش، وبه يُشَبَّه الرجل الأعجمي، ويقولون: إنه من المعالجة، وهي: مزاولة الشيء. هذا عن ابن الأعرابي، وقال الخليل: سُمِّي عِلْجًا لاستعلاج خَلْقه، وهو غِلْظُهُ. قال: والرجل إذا خرج وجهه وغَلُظَ فقد استعلج"(5).
ويُطلق "العِلْج" على كل كافر، ككفار الفُرس، كما في رواية مقتل عمر - رضي الله عنه - فقد قتله عِلْج مجوسي، وكان قد نهى عن جلبهم إلى المدينة النبوية؛ ففي "صحيح البخاري" قال عمر: "يا ابن عباس انظر من قتلني، فجال ساعة ثم جاء، فقال: غلام المغيرة، قال: الصَّنَع ؟ قال: نعم، قال: قاتله الله، لقد أمرت به معروفًا، الحمد لله الذي لم يجعل ميتتي بيد رجل يَدَّعي الإسلام، قد كنت أنت وأبوك تحبان أن تكثر العلوج بالمدينة"(6).
وجاء في سياق معركة نَِهَاوَند من حديث زياد بن جبير بن حَيَّة عن أبيه قال: "فأرسل إلينا العِلْج إما أن تعبروا إلينا بنَِهَاوَند وإما أن نعبر إليكم، فقال النعمان(7) : اعبروا، فعبرنا، قال أبي: فلم أَرَ كاليوم قَطُّ، إن العُلوج يجيئون كأنهم جبال الحديد، وقد تواثقوا أن لا يفروا من العرب، وقد قُرِنَ بعضهم إلى بعض"(8).
ويطلق على الكافر من الروم، كما جاء في ترجمة حياض بن قيس بن الأعور القُشيري أنه شهد معركة اليرموك بين المسلمين والروم، فقتل من العلوج خلقًا، يقال: ألف رجل منهم(9).
ومن قصص الفروسية عند علماء المسلمين ما رواه عبد الله بن سنان قال: كنت مع ابن المبارك والمعتمر بن سليمان بطرطوس، فصاح الناس: النفير النفير، قال: فخرج ابن المبارك والمعتمر، وخرج الناس فلما اصطف المسلمون والعدو خرج رجل من الروم يطلب البِراز، فخرج إليه مسلم فشد العِلْج على المسلم، فَقَتَل المسلمَ، حتى قتل من المسلمين مبارزة، فجعل يتبختر بين الصفين بطلب المبارزة لا يخرج إليه أحدٌ. قال: فالتَفَتُّ إلى ابن المبارك فقال: يا عبد الله، إن حَدَثَ بي حادثُ الموت فافعل كذا. قال: وحَرَّكَ دابته، وخرج العِلْج، فَعَالَج معه ساعة فَقَتَلَ العِلْجَ، ثم طلب المبارزة فخرج إليه عِلْجٌ آخر فقتله، حتى قتل ستةً من العُلوج مبارزة، ثم طلب البِراز فكأنهم كاعُّوا(10) عنه، فضرب دابته ونظر بين الصفين وغاب(11).
ويُطلق على كافر الحَبَش، قال الفاكهي: دار العُلوج: سميت بذلك لأنه كان فيها عُلوج من عُلوج الحبش(12).
وكذلك على الكفار من أفريقية والأندلس، ومن ذلك قول موسى بن نصير لسليمان بن عبد الملك: يا أمير المؤمنين، لقد كانت الألف شاة تباع بمائة درهم، وتباع الناقة بعشرة دراهم، وتمر الناس بالبقر فلا يلتفتون إليها، ولقد رأيت العِلْج الشاطرَ وزوجته وأولاده يباعون بخمسين درهمًا(13).
وللعلوج رطانة(14) خاصة تسمى "الزَّمزمة" قال الفِيروآبادي: "الزَّمزمة: تراطُن العلوج على أكلهم وهم صموت، لا يستعملون لسانًا ولا شَفَةً، لكنه صوت تُديره في خياشيمها وحُلُوقها، فيفهم بعضها عن بعض ..."(15).
أما
"الطُّرْطُورُ" فهو: الوَغْدُ الضعيف من الرجال، والجمع "الطَّراطِيرُ"؛ قال الشاعر:
قد عَلِمتْ يَشْكُرُ مَنْ غُلامُها ******* إِذا الطَّراطِيرُ اقْشَعَرَّ هامُها
ورجل طُرْطورٌ أَي دقيق طويل، ويُطلق "الطُّرْطُورُ" على قَلَنْسُوة للأَعراب طويلة الرأْس(16).
وبخلاف "الطُّرْطُورُ" الرجل الطَّرير، وهو: ذو الهيئة، قال الشاعر:
ويُعجبك الطَّرِيرُ فتبتليه ******* فيُخلفُ ظنَّكَ الرجلُ الطَّرِير(17)
أما
الوَغْد فهو: الخفيف الأَحمقُ الضعيفُ العقْلِ الرذلُ الدنيءُ، وقيل: الضعيف في بدنه، ويقال: فلان من أَوْغادِ القوم،
ومن وُغْدانِ القوم، ووِغْدانِ القوم أَي: من أَذلاَّئِهِمْ وضُعفائِهِمْ، والوَغْدُ: الصبيّ، ويُطلق على خادِمُ القوم، وقيل:
الذي يَخْدمُ بطعام بطنه، والجمع "أَوْغادٌ"، و"وُغْدانٌ" و"وِغْدانٌ"(18).
وأنشدت لنفسي:
غَزَا العراقَ العُلوجُ في زَهْوهِمُ ******* أَوْغَادٌ هُمُ تَرَاهُمْ بين الطَّرَاطِيرِ
ومن وَجَدَ في نفسه قريحة فليُتم أو يصحح لأني لا أقرض الشعر، والسلام.
-------------------------
الهوامش:
(1) لا كما يظن بعض الناس أنها عامية.
(2) انظر: مختار الصحاح (ص:396) مادة "عَلَقَ".
(3) انظر: الصِّحاح (1/302)، ومختار الصحِّاح (ص:395)، ولسان العرب (2/326)، والقاموس المحيط (ص:254)، وهدي الساري (ص:159) مادة "عَلَجَ".
(4) انظر: معجم البلدان (5/474).
(5) معجم مقاييس اللغة (4/121-122).
(6) صحيح البخاري (3/1353-1357/رقم:3497)، ونهي عمر - رضي الله عنه - جاء في طبقات ابن سعد (طبعة دار صادر) (3/349) أن عمر كان يكتب إلى أمراء الجيوش لا تجلبوا علينا من العلوج أحدًا جرت عليه المواسي، فلما طعنه أبو لؤلؤة قال: من هذا ؟ قالوا: غلام المغيرة ابن شعبة. قال: ألم أقل لكم لا تجلبوا علينا من العلوج أحدًا فغلبتموني ؟ وهذا يدل على عظيم فراسته - رضي الله عنه -.
(7) النعمان هو: النعمان بن مُقَرِّن المزني قائد معركة نَهَاوَند.
(8) انظر: صحيح ابن حبان (11/64-70/رقم:4756).
(9) ترجم له ابن حجر في "الإصابة" (2/187) في القسم الثالث.
(10) كعَّ الرجل عن الشىء: إذا جَبُنَ عنه وأحجم. انظر: النهاية في غريب الحديث (4/180) مادة "كعع".
(11) شعب الإيمان (4/56/رقم:4322).
(12) انظر: أخبار مكة للفاكهي (3/323)
(13) سير أعلام النبلاء (4/500).
(14) الرَِّطانة: بفتح الراء وكسرها: لكلام بالأعجمية. انظر: مختار الصحاح (ص:217)، ولسان العرب (13/181) مادة "رَطَنَ".
(15) القاموس المحيط (ص:1444).
(16) لسان العرب (4/501) مادة "طرر".
(17) انظر: معجم مقاييس اللغة (3/409) مادة "طَرَّ".
(18) انظر: لسان العرب (3/464) مادة "وغد".
منقول