تخريج أبي سليمان لقولة الكرخي الشهيرة
يقول الشيخ قال د. عبد الوهاب أبو سليمان في كتابه "الفكر الأصولي" ص 122- 124:"وقد أخذ بعض الباحثين على الكرخي قوله في الأصل الثامن والعشرين [أصول الكرخي الطبعة الأولى (مصر المطبعة الأدبية ) ص 84]: "الأصل أن كل آية تخالف قول أصحابنا فإنها تحمل على النسخ أو على الترجيح والأولى أن تحمل على التأويل من جهة التوفيق"(. وأن هذا القول: يمثل منتهى التعصب المذهبي؛ حيث وصل الأمر بالأحناف إلى تقديم أقوال أئمتهم على نصوص الكتاب والسنة، وهذا تجن على الحقيقة ولا يمكن أن يتجرأ عليه مسلم فضلا عن فقيه أو مجتهد.
والفهم الموضوعي المتجرد لهذا الأصل: يشير بكل بساطة إلى مدى حرص فقهاء الأحناف – كغيرهم من الفقهاء – في عدم تجاوزهم لنصوص الكتاب والسنة وإن بدا شيء من ذلك ظاهرا فذلك لوقوفهم على علة في ذلك النص من نسخ أو تأويل أو ترجيح دعاهم إلى صرف النظر عنه. يؤيد هذا التفسير ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية عن اختلاف الفقهاء [رفع الملام عن الأئمة الأعلام ص 9، 10] بقوله: "وليعلم أنه ليس أحد من الأئمة المقبولين عند الأمة قبولا عاما يتعمد مخالفة رسول الله e في شيء من سنته، دقيق ولا جليل، فإنهم متفقون اتفاقا يقينيا على وجوب اتباع الرسول وعلى أن كل أحد من الناس يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله e ولكن إذا وجد لواحد منهم قول قد جاء حديث صحيح بخلافه فلا بد له من عذر في تركه. وجميع الأعذار ثلاثة أصناف: أحدها : عدم اعتقاده أن النبي e قاله. والثاني: عدم اعتقاده إرادة تلك المسألة بذلك القول. والثالث: اعتقاده أن ذلك الحكم منسوخ"اهـ. وفي المسائل التي ذكرها النسفي توضيحا لتلك القاعدة ما يفيد هذا الاتجاه بصورة قطعية[أصول البزدوي (ص 373)].
"قال: من مسائلة أن من تحرى عند الاشتباه واستدبر الكعبة جاز عندنا: لأن تأويل قوله تعالى: ?فولوا وجوهكم شطره? إذا علمتم به، وإلى حيث وقع تحريكم عند الاشتباه. أو يحمل على النسخ كقوله تعالى: ?ولرسوله ولذي القربى?، في الآية ثبوت سهم ذوي القربى في الغنيمة، ونحن نقول انتسخ ذلك بإجماع الصحابة رضي الله تعالى عنهم. أو على الترجيح كقوله تعالى: ?والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا?، ظاهره يقتضي أن الحامل المتوفى عنها زوجها غيرها وقوله تعالى: ?وأولات الأحمال اجلهن أن يضعن حملهن?، يقتضي انقضاء العدة بوضع الحمل قبل مضي الأشهر لأنها عامة في المتوفى عنها زوجها وغيرها لكنا رجحنا هذه الآية بقول ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنها نزلت بعد نزول تلك الآية فنسختها وعلي رضي الله عنه جمع بن الأجلين احتياطا لاشتباه التاريخ"اهـ. وأمثال هذا كثير، وفي عبارات العلماء أنفسهم ما يفسرها ويكشف عن المقصود منها يقول أبو العباس القرافي[التنقيح ص449]: "ولا يوجد عالم إلا وقد خالف من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم أدلة كثيرة، ولكن لمعارض راجح عليها عند مخالفتها...."( قال أبو فراس: ويؤكد هذا أيضاً تعبير الكرخي نفسه بقوله: الأصل، فهي ليست قاعدة مستمرة، وهو الآن في معرض التعليم فيقول: نحن لا نخالف النصوص، وما توهم ذلك فلأن لأصحابنا وجه من النظر؛ فتنبَّه. لاسيما وأن أهل الرأي متَّهمون بمخالفة النصوص، فكان هذا أيضاً دفعاً لما ادعي عليه"اهـ.
قلت (أبوصهيب): وهذا توجيه مقبول، فجزى الشيخ محمد بازمول خيرًا وهذه المادة منقولة من صفحته في موقع الجامعة، وستلحقها-بإذن الله- فوائد أخرى انتقاها فضيلته -وفقه المولى- .