بسم الله الرحمن الرحيم
مِن سُنَنِ الصِيام السَّحُور
وهو على عكس الإفطار فإن المشروع والسنة في السحور أن يؤخر إلى آخر الوقت بحيث ما يفرغ الإنسان منه إلا وقد دخل عليه وقت الآذان، وقت الصلاة وهذا فيه عدة فوائد:
الفائدة الأولى:أنه يتقوى بالطعام والشراب أطول مدة فلا يجوع في أثناء النهار ولا يعطش فيغمى عليه فإذا أكل على آذان الفجر ما يفرغ إلا وهو يؤذن يكون حينئذ الطاقة أكثر وأبقى له في النهار.
الأمر الثاني:بتأخيره لهذا السحور يأمن عدم فوات الصلاة إذا أخر السحور فإنه يأمن عدم فوات صلاة الفجر فيشهدها مع الجماعة وهذا خيرٌ عظيم، فإن من صلى الصبح في جماعة فهو في ذمة الله حتى يمسي، فلا ينبغي للإنسان أن يفرط في هذا الأمر ألا وهو أمر تأخير السحور، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول(( لا يَزَالُ النَّاسُ بَخَيْرمَا عَجَّلُوْا الفِطْرَ وَأَخَّرُّوا السُّحُوْر ))وأمر السحور سنة يجب أيضًا أن نحافظ عليها وذلك لأن فيها مخالفة لطوائف أخرى من أهل الضلال، فقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال((إِنَّفَصْلَمَابَيْنَصِيَامِنَا وَصِيَامِ أَهْلِالْكِتَابأَكْلَةُالسَّحَرِ )) فأهل الكتاب لا يتسحرون النبي صلى الله عليه وسلم خالفهم وجعل من العلامات الفارقة بين صيامنا نحن المسلمين وصيام أهل الكتاب وجبة السحور الغداء المبارك، السحور هو الغداء المبارك كما قال ذلك النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنك إذا تسحرت ثم انطلقت إلى صلاة الفجر فقد غدوت وهذا أول النهار والذهاب في أول النهار يسمى غدو والذهاب في آخر النهار يسمى رواح، فينبغي للمسلم أن يحرص على هذا الطعام الذي يأكله في هذا الوقت لما ذكرنا، ويتحقق به الخيرية فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول(( لا يَزَالُالنَّاسُبَخَيْرمَاعَجَّلُوْاالفِطْرَوَأَخَّ رُّواالسُّحُوْر ))وكما أن المعجل للفطر أحب إلى الله كما قلنا(( أحَبُّعباديإلّيَّ أعْجَلُهُم فِطْرًا ))فهكذا المؤخر للسحور أيضًا محبوب لأنه قام بأمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم وخالف أهل الكتاب وأصبح مع المصلين، وأصبح في ذمة الله تبارك وتعالى فهو محفوظٌ بحفظ الله له حتى يمسي والنبي صلى الله عليه وسلم يقول((مَنْصَلَّى البَرْدَيْنِ دَخَلَ الْجَنَّةَ))والبردان هما العصر والفجر، فينبغي للمسلم أن يحافظ على ذلك.
وأفضل ما يتسحر به التمر:فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول(( نِعْمَ سَحُورِ الْمُؤمِنِ التَّمْر )) فنِعم مدح لهذا الغداء الذي تأكله في هذا الوقت والتمر يفرز بالجسم مادة حلوية مادة الجلكوز، فتمده في الري وتمده أيضًا بتدفق اللعاب فلا يجف فمه، وإذا لم يجف الفم لم ييبس الحلق وحينئذٍ فيصوم نهاره في صحة وعافية، فينبغي للمسلم أن لا يخلي طعامه في السحور من التمر وإن كان مشركًا له بغيره، خالطًا معه غيره، وإلا فهو في حد ذاته وجبة عظيمة ولو كان مع اللبن أو مع الحليب فياحبذا وهو خيرٌ من كثير من الأكلات التي يأكلها الناس اليوم ولا تفيدهم إلا زيادة الدهون والكولسترول الذي ربما آذاهم أو آذى بعضهم، فالنبي صلى الله عليه وسلم أثنى على سحور التمر، وليعلم العبد أنه كما أن الله يحب من يعجل في الفطر فكذلك يصلي على المتسحر(( إِنَّ اللهتَعَالَىوَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى الْمُتَسَحِّرِين ))
فينبغي لنا معشر الإخوة والأخوات أن نهتم بهذا فلا ينبغي للمرأة المسلمة أن تشتغل في بيتها بتجهيز الإفطار حتى يذهب عليها وقته الفاضل، أول الوقت ولا ينبغي لها أن تشتغل في مطبخها حتى تُفوت وقت السحور وربما ما شعرت إلا بالأذان وهي منهمكة في أنواع الطبيخ وأنواع الأطعمة فينبغي للمسلم ألا يشتغل عن ذلك، وهو إنما يُعد هذا لعبادته، فإذا كان هذا يضيع عليه هذا الفضل فلا خير فيه، أسأل الله سبحانه وتعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يجعلنا وإياكم جميعًا من عباده الصائمين المقبولين، أن يتقبل منا ومنكم جميعًا صومنا وصلاتنا وقيامنا وصالح أعمالنا، وأن يرزقنا الفقه في دينه إنه ولي ذلك والقادر عليه وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد ، نعم.
جزء من الدرس الثالث من دليل الطالب للشيخ محمد بن هادي المدخلي حفظه الله تعالى