مقتطفات من كتاب ؛ مسألة القيام للداخل ، للشيخ محمد بن أحمد الفيفي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
والصلاة والسلام على من لا نبى بعده
قد ثبت في السنة عدد من الأحاديث تدور حول هذه المسألة وهي :
عن أبي مجلز قال : خرج معاوية رضي الله عنه على ابن الزبير وابن عامر فقام ابن عامر وجلس ابن الزبير ، فقال معاوية لابن عامر : اجلس فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من أحب - وفي رواية : من سرّه - أن يتمثل الناس له قياما ًفليتبوأ مقعده من النار " رواه أبو داود ، والبخاري في الأدب المفرد ، والترمذي ، وأحمد ، والطحاوي في مشكل الآثلر والطبراني ، والبغوي ، والخطيب البغدادي وغيرهم0 قال الترمذي : حديث حسن 0 فتعقبه أستاذنا المحدث الألباني بقـــــــوله : " بل هو حديث صحيح ،
ثم أورد المحدث الألباني – أعلى الله منزلته في المهديين – شاهداً مرسلاً ، أخرجه الخطيب البغدادي في ( تاريخ بغداد ) 13 / 193 من طريق عبدالرزاق عن سليمان بن علي بن الجعد قال : سمعتُ أبي يقول : " لما أحضر المأمون أصحاب الجوهر ، فناظرهم على متاع كان معهم ، ثم نهض المأمون لبعض حاجته ثم خرج ، فقام كل من كان في المجلس إلا ابن الجعد ؛ فإنه لم يقم ، قال : فنظر إليه المأمون كهيئة المغضب ، ثم استخــلاه ، فقال : يا شيخ ! ما منعك أن تقوم لي كما قام أصحابك ؟ قال : أجللتُ أمير المؤمنين للحديث الذي نأثره عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : وما هو ؟ قال علي بن الجعد : سمعت المبارك بن فضالة يقول : سمعت الحسن يقول : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " مَن أحب أن يتمثل الناس له قياما ، فليتبوأ مقعده من النار " قال : فأطرق المأمون متفكراً في الحديث ، ثم رفع رأسه ، فقال : لا يُشتَرى إلا من هذا الشيخ 0 قال : فاشترى منه في ذلك اليوم بقيمة ثلاثين ألف دينار "
قلت – أي الألباني - : فصدق في علي بن الجعد – وهو ثقة ثبت – قول الله عزوجل : ( ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ) الطلاق 2 0[2]
قال الأستاذ أبوالحسن الحدائي بعد إيراده لهذا الشاهد في " تذكرته " : " قلت : والحديث مرسل من مراسيل الحسن البصري لكنه صحيح بما قبله ، والله أعلم " ؛؛؛؛؛؛؛
ونحو هذه القصة ما أخرج الدينوري في " المنتقى من المجالسة " : حدثنا أحمد بن علي البصري قال : " وجّهالمتوكل إلى أحمد بن العدل وغيره من العلماء ، فجمعهم في داره ، ثم خرج عليهم ، فقام الناس كلهم إلا أحمد بن العدل ، فقال المتوكل لعبيد الله : إنَّ هذا الرجل لا يرى بيعتــنا 0فقال له : بلى يا أمير المؤمنين !
ولكن في بصره سوء 0 فقال أحمد بن العدل : يا أمير المؤمنين ! ما في بصري من سوء ، ولكنّني نزَّهتك من عذاب الله تعالى 0 قال النبي صلى الله عليه وسلم : " من أحب أن يتمثل له الرجال قياما ؛ فلتبوأ مقعده من النار " ، فجاء المتوكل ، فجلس إلى جنبه " وروى ابن عساكر في " تاريخ دمشق " بسنده عن الأوزاعي : حدثني بعض حرس عمر بن عبدالعزيز قال :
" خرج علينا عمر بن عبدالعزيز ونحن ننتظره يوم الجمعة ، فلما رأيناه قمنا ، فقال : إذا رأيتمــوني ؛ فلا تقوموا ، ولكن توسعوا "
قال المحدث الألباني – أمتع الله بعلمه– مبينا ما دلّ عليه حديث معاوية رضي الله عنه :
(( دلنا هذا الحديث على أمرين : الأول : تحريم حب الداخل على الناس القيام منهم له ، وهو صريح الدلالة ، بحيث إنه لا يحتاج إلى بيان 0
الآخر : كراهة القيام من الجالسين للداخل ، ولو كان لا يحب القيام ، وذلك من باب التعاون على الخير ، وعدم فتح باب الشر ، وهذا معنى دقيق ، دلّنا عليه راوي الحديث معاويةرضي الله عنه ، وذلك بإنكاره على عبدالله بن عامر قيامه له ، واحتجّ عليه بالحديث ، وذلك من فقهه في الدين ، وعلمه بقواعد الشريعة ، التي منها سد الذرائع ، ومعرفته بطبائع البشر ، وتأثرهم بأسباب الخير والشر ، فإنك إذا تصورت مجتمعا صالحا كمجتمع السلف الأول ، لم يعتادوا القيام بعضهم لبعض ، فمن النادر أن تجد فيهم مَن يحب هذا القيام الذي يرديه في النار ، وذلك لعدم وجود ما يُذكِّر به ، وهو القيام نفسه ، وعلى العكس من ذلك ، إذا نظرت إلى مجتمع كمجتمعنا اليوم ، قد اعتادوا القيام المذكور ؛ فإن هذه العادة ، لا سيما مع الاستمرار عليها ، فإنها تُذكر به ، ثم إن النفس تتوق إليه وتشتهيه حتى تحبّه ، فإذا أحبه هلك ، فكان من باب التعاون على البر والتقوى أن يترك هذا القيام ، حتى لمن نظنه أنه لا يحبُّه ، خشية أن يجرّه قيامنا له إلى أن يحبه ، فنكون قد ساعدناه على إهلاك نفسه وذا لا يجوز
مسألة القيام للداخل
لفضيلة الشيخ حفظالله
محمد بن أحمد الفيفي
منقول