بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أمَّا بعد:
قال الإمام أحمد في (المسند):
2012 - حدثنا يحي، عن ابن أبي ذئب، حدثني قارظ، عن أبي غطفان قال: رأيت ابن عباس توضأ قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (استنثروا مرتين بالغتين أو ثلاثا).
ورواه الطيالسي عن ابن أبي ذئب بهذا الإسناد، إلا أنَّه قال:
(إذا مضمض أحدكم واستنثر فليفعل ذلك مرتين بالغتين أو ثلاثا).
قال الحافظ في: (التلخيص):
(صححه ابن القطان، ورواه أبو داود وابن ماجه وابن الجارود والحاكم).
أبو غطفان هو ابن طريف المرِّي، وضعَّف بعضهم الحديث لأجله اعتمادًا على قول ابن أبي داود: (أبو غطفان هذا رجل مجهول)، وقد وثَّقه ابن معين والنسائي وأخرج له مسلمٌ في الصحيح فهو ثقة معروف، والحديث صححه الإمام الألباني رحمه الله.
ظاهر الحديث يدلُّ على وجوب الاستنثار مرَّتين أو ثلاثًا، وعدم إجزاء فعله مرة واحدة، وإلى هذا ذهب الإمام الألباني رحمه الله فقال معلقًا على قول الصنعاني في السبل: (ولكن التثليث مندوب)، قال(إلا الاستنثار فيجب مرتين، لحديث ابن عباس الذي ذكرناه، وذلك في كُلِّ وضوء..)). [1/132-حاشية(2)].
ولكن يشكل على هذا ما ثبت في الصحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (توضأ النبي صلى الله عليه وسلم مرة مرة)، فهل يُحمَل العام على الخاص أو يُقدَّمُ القول على الفعل لأنَّ الفعل يحتملُ الخصوصية والعذر، قال الشوكاني رحمه الله في نيل الأوطار [1/198-199 ط.دار القرآن]:
((وأما تقييد الأمر بالاستنثار بمرتين أو ثلاثا فيمكن الاستدلال على عدم وجوب الثانية والثالثة بحديث الوضوء مرة، ويمكن القول بإيجاب مرتين أو ثلاث إما لأنه خاص وحديث الوضوء مرة عام، وإما لأنه قول خاص بنا فلا يعارضه فعله صلى الله عليه وآله وسلم كما تقرر في الأصول والمقام لا يخلو عن مناقشة في كلا الطرفين)).
أمَّا الثاني فمردودٌ لأنَّ الأصل في فعل النبي صلى الله عليه وسلم أنه لعموم الأمة ما لم يقم دليل على الاختصاص، ولا يبقى إلا الحملُ وهو مردودٌ كذلك بوقوع الإجماع على أنَّ فرض الوضوء مرة مرة، وقد حكاه عِدَّة من أهل العلم منهم الشوكاني نفسه، فلعلَّ الأقربَ أن يوجَّه الأمرُ في الحديث بأنَّه محمولٌ على النَّدب، والله أعلم.