( إذا أخَّر المسلم صلاة المغرب ليجمعها مع العشاء ثم حضرت جماعة تصلي العشاء
فأراد أن يصلي معهم فماذا يفعل؟ )
أولاً : ينبغي أن يعلم أن الترتيب واجب في أداء الصلوات فلابد له من أن يدخل معهم بنية المغرب لا العشاء وقد نص الإمام أحمد على ذلك في مواضع وهو قول الليث ومالك وإسحاق (1)
والحجة في ذلك ما أخرجه مالك في موطئه : عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ : مَنْ نَسِىَ صَلاَةً فَلَمْ يَذْكُرْهَا إِلاَّ وَهُوَ مَعَ الإِمَامِ فَإِذَا سَلَّمَ الإِمَامُ فَلْيُصَلِّ الصَّلاَةَ الَّتِى نَسِىَ ثُمَّ لِيُصَلِّ بَعْدَهَا الأُخْرَى.
وقوله رضي الله عنه (ثُمَّ لِيُصَلِّ بَعْدَهَا الأُخْرَى) أي التي صلاها قبل غير مرتبة دليل على وجوب بل شرطية الترتيب عنده ولا أعرف لابن عمر مخالفاً من الصحابة رضي الله عنهم .
ثانياً : وليعلم أيضاً أن اختلاف نية الإمام مع المأموم لا يضر فلو جاء رجل ليصلي الظهر -مثلاً- خلف من يصلي العصر لجاز اتمامه وصحة صلاته وقد نص أحمد -كما في رواية إسماعيل بن سعيد- على صحة صلاة من يصلي العشاء في رمضان خلف من يصلي التراويح (2)
والحجة في ذلك حديث معاذ رضي الله عنه لما كَانَ يُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ يَرْجِعُ فَيُصَلِّي بِقَوْمِهِ تِلْكَ الصَّلَاةَ . متفق عليه
وهذا فيما إذا ما اتفقت صورة الصلاتين في الأفعال -كالظهر والعصر مثلاً- بينما لو اختلفت صورة الصلاتين -كمن يصلي الفجر خلف من يصلي الظهر أو كمسألتنا هذه أعني من يصلي المغرب خلف من يصلي العشاء- ففيها نزاع أيضاً ولا تختلف الرواية عن الإمام أحمد على عدم صحة هذا الائتمام (3) وذهب جماعة من الفقهاء إلى صحة الصلاة (4) لعدم الدليل المانع
وعلى هذا لو صلى رجل بنية المغرب خلف من يصلي العشاء فماذا يفعل إذا قام الإمام إلى الرابعة ؟
لا أعرف نصاً في المسألة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أو عن أصحابه
لكن الذي ذكره النووي عن بعض الفقهاء : أن المأموم مخير بين أن ينوي مفارقة الإمام ثم يتشهد ثم يسلم
أو أن ينتظره حتى يسلم معه .
ومفارقة الإمام لحاجة جائزة فقد جاء في الصحيحين من حديث جابر : أن مُعَاذاً كان يُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الْعِشَاءِ ، ثُمَّ يَرْجِعُ إلَى قَوْمِهِ فَيَؤُمُّهُمْ ، فَأَخَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الْعِشَاءِ ، فَصَلَّى مَعَهُ ، ثُمَّ رَجَعَ إلَى قَوْمِهِ فَقَرَأَ سُورَةَ الْبَقَرَةِ ، فَتَأَخَّرَ رَجُلٌ فَصَلَّى وَحْدَهُ ، فَقِيلَ لَهُ : نَافَقْت يَا فُلَانُ .
قَالَ : مَا نَافَقْت ، وَلَكِنْ لَآتِيَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأُخْبِرُهُ ... الحديث
قال ابن قدامة في المغني : وَلَمْ يَأْمُرْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّجُلَ بِالْإِعَادَةِ ، وَلَا أَنْكَرَ عَلَيْهِ فِعْلَهُ ، وَالْأَعْذَارُ الَّتِي يَخْرُجُ لِأَجْلِهَا ، مِثْلُ الْمَشَقَّةِ بِتَطْوِيلِ الْإِمَامِ ، أَوْ الْمَرَضِ ، أَوْ خَشْيَةِ غَلَبَةِ النُّعَاسِ ، أَوْ شَيْءٍ يُفْسِدُ صَلَاتَهُ ... ا.هــ
وأما على القول بانتظاره حتى يسلم معه فقد يخرج على ما ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في بعض صفات صلاة الخوف أنه -صلى الله عليه وسلم- ثَبَتَ جَالِسًا ، حتى أتم من خلفه لِأَنْفُسِهِمْ ، ثُمَّ سَلَّمَ بِهِمْ . أخرجه مسلم في صحيحه من حديث صالح بن خوات
يتبع