بسم الله الرحمن الرحيم
الأجوبة العلمية على المسائل الإيمانية
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد ،،،
أثارت أحد المواقع العنكبوتية كلاماً حول الأخ عبد العزيز الريس - وفقه الله لما يحبه ويرضاه - فكتبت إليه بهذه الأسئلة فأجاب - جزاه الله خيراً -
السؤال:
ما الإيمان الواجب اعتقاده وديانة الله به؟ وما حكم الذبح لغير الله ؟ وهل يفرق بينه وبين الذبح لله عند قبر الرجل الصالح، وما حكم الطواف بالقبور؟ وما حكم السجود للوثن؟ وهل يفرق بينه وبين السجود إليه؟ وهل الساجد للصنم كافر ظاهراً وباطناً ؟ وهل يصح أن يرمى من لا يكفر بالحكم بغير ما أنزل الله ولا بترك الصلاة بأنه مرجئ ؟
فأجاب :
بسم الله الرحمن الرحيم
إلى الأخ الفاضل/ الملقب في الشبكة العنكبوتية (ب.........) - وقانا الله وإياك شرور نفوسنا -
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أما بعد
فما سألت عنها من مسائل شرعية الحق فيها ما دل عليه الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة، فإنه لا حق ولا طريق موصل إلى الله غير طريقة السلف الصالح سواء في المسائل العلمية (العقدية) أو العملية، وأنه إذا وقع بين سلفنا الصالح خلاف معتبر في مسألة على قولين، فإنه يختار منهما ما يدل عليه الدليل عند الناظر والدارس، وفي المقابل لا يعنف على من خالفه، بل هما ما بين أجر أو أجرين ، ولا يصح لأحد أن يخرج عن أحد هذين القولين؛ لأن الحق لا يتعداهما، فمن باب أولى لا يصح لأحد أن يحدث قولاً جديداً في شرع الله، فإذا كانت المسألة متعلقة بالعبادات فلا يحدث عبادة إلا بدليل وسلف، وإذا كانت متعلقة بالمعاملات فلا يحظر شيئاً إلا بدليل وسلف، وإذا أراد أن يحكم على شيء بأنه كفر، فلا يفعل إلا بدليل وسلف إذ الأصل عدم الكفر ، وهكذا... وقد بسطت هذه المسألة وما يتعلق بها بسطاً متوسطاً في كتابي الحجج السلفية في الرد على ابن فرحان المالكي البدعية.
* وقول أهل السنة السلفيين في الإيمان والذي يجب على المسلم أن يدين الله به: أنه قول باللسان، وعمل بالجوارح ، واعتقاد بالقلب ،والدليل على ذلك ما أخرجه مسلم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلَّم:" الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة ، فأفضلها قول لا إله إلا الله ، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان " فالحديث صريح على أن القول كقول "لا إله إلا الله"، والعمل "كإماطة الأذى عن الطريق "، والاعتقاد "كالحياء" من الإيمان . فمن لم ينطق بكلمة التوحيد مع القدرة فهو كافر بالاتفاق ، ومن لم يوجد في قلبه عمل القلب من أصل الخوف والرجاء والحب والتوكل فهو كافر بالاتفاق، وما زاد على أصل الخوف والحب والرجاء فهو ما بين واجب ومستحب ، ومن دخل الإسلام ولم يعمل شيئاً من أعمال الجوارح مع قدرته ولا مانع وبقائه زمناً فهو كافر بالاتفاق ؛ وأفراد أعمال الجوارح بالنسبة للإيمان ما بين واجب يأثم المسلم بتركه ، وفي التكفير بترك بعضها نزاع بين أهل السنة كترك المباني الأربعة من صلاة وصوم وزكاة وحج أو أحدها، فإن تكفير تارك المباني الأربعة أو أحدها مسألة خلافية عند أهل السنة السلفيين أنفسهم ، وما بين مستحب يثاب على فعله امتثالاً .
وهو يزيد وينقص كما قال تعالى ) لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً مَعَ إِيمَانِهِمْ ( ، وكل ما زاد فقد كان ناقصاً، فهو -إذاً - ليس شيئاً واحداً لا يتجزأ ، لذلك يصح الاستثناء فيه ؛ وذلك بأن يقول المسلم -مثلاً-: أنا مؤمن إن شاء الله ، على اعتبارات منها : الله أعلم بقبول الأعمال ، أو أن الإيمان إذا أطلق أريد به الإيمان المطلق -أي الكامل- الذي يتضمن فعل الواجبات وترك المحرمات ، فهو يستثني خشية ألا يكون أتى بهذا الإيمان المطلق ، أو باعتبار ترك تزكية النفس بالإيمان ، فلذلك استثنى ، أو باعتبار أن الاستثناء على اليقين لا على الشك فيكون راجعاً لما تيقنه من نفسه من الإتيان بأصل الإيمان - وهو مطلق الإيمان -.
والكفر عند أهل السنة السلفيين يكون بالقول والفعل والاعتقاد.
ويقرون بالتلازم بين الظاهر والباطن ، وأن الظاهر تبع للباطن صلاحاً وفساداً ، فالقلب الملك والجوارح جنوده، وأن فساد الظاهر دال على فساد الباطن ؛ فلا يقع كفر في الظاهر إلا ويلزم منه كفر الباطن ، فمن سب الله كفر ظاهراً وباطناً.
تنبيه /
الأعمال الظاهرة الصادرة من المسلم من جهة الكفر وعدمه نوعان:
الأول / ما يضاد الإيمان من كل وجه ، أو لا يحتمل إلا الكفر ، أو ما يتضمن ترك الإيمان ، أو يدل على كفر الباطن، كالسب والاستهزاء، وإهانة المصحف، والسجود للصنم، والذبح لغير الله، ونحو ذلك.
الثاني / ما لا يضاد الإيمان من كل وجه ، أو ما هو محتمل للكفر وغيره ، أو ما لا يتضمن ترك الإيمان أو لا يدل على كفر الباطن ، وهذا لا يكفر به إلا بعد الاستفصال، والدليل على ذلك : ما أخرجه الشيخان عن علي بن أبي طالب أن حاطب بن أبي بلتعة كتب رسالة إلى قريش يخبرهم بقدوم رسول الله صلى الله عليه وسلَّم ، وفي الحديث قول رسول الله صلى الله عليه وسلَّم لحاطب :" يا حاطب ما هذا " ؟ قال : لا تعجل علي ، إني كنت امرءاً ملصقاً في قريش ، ولم أكن من أنفسهم ، وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون أهليهم بمكة ، فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم أن أتخذ فيهم يداً يحمون بها قرابتي ، وما فعلت ذلك كفراً ولا ارتداداً عن ديني ولا رضا بالكفر بعد الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلَّم :" إنه صدقكم ".
والضابط في التمييز بين هذين النوعين من الأعمال الأدلةُ الشرعيةُ ، فما كفرت به الأدلة الشرعية من غير استفصال كفرنا به ، وما لم تكفر به الأدلة الشرعية مباشرة لم نكفر به ؛ إذ الكفر حق لله و رسوله صلى الله عليه وسلَّم .
هذا ما قررته في كتابي الإمام الألباني وموقفه من الإرجاء ص4-17 . وقد طبع - ولله الحمد - وتوجد نسخ منه عند بعض الأخوة، وقريباً سنزل في الأسواق - إن شاء الله - ، وقد عزوت إلى أئمة السنة، ودللت في هذه الرسالة - بحسب علمي وطاقتي - على كل ما تم تقريره فيها مع مراعاة الاختصار غير المخل قدر الجهد .
* أما الذبح لغير الله من الأوثان ومعبودات الكفار فشرك أكبر؛ لأن الذبح عبادة وصرفه لغير الله شرك أكبر، ولا يكون شركاً أصغر، أما الذبح عند القبر لله من غير تقرب للميت فبدعة ووسيلة من وسائل الشرك وليس شركاً أكبر، هذا ما قرره سماحة الشيخ العلامة محمد بن إبراهيم - رحمه الله - في فتاواه (12/186) والإمام العلامة محمد ناصر الدين الألباني - رحمه الله - في أحكام الجنائزص256. وقد قررت هذا وبينته في كتابي الإلمام شرح نواقض الإسلام - الذي تم الفراغ منه عام(1418هـ) وهو موجود عند جماعة من المشايخ والأخوة - وكتابي قواعد ومسائل في توحيد الإلهية - الذي تم الفراغ منه عام(1419هـ) وهو منتشر عند كثير من المشايخ والأخوة - .
* والطواف حول القبور للأموات شرك أكبر لأن الطواف عبادة وصرفه لغير الله شرك، لكن الطواف حولها لله بدعة وليس شركاً ، قالت اللجنة العلمية للإفتاء في السعودية برئاسة سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله - : ولا يجوز الطواف بالقبور بل هو مختص بالكعبة المشرفة، ومن طاف بها يقصد بذلك أهلها كان ذلك شركاً أكبر، وإن قصد بذلك التقرب إلى الله فهو بدعة منكرة... ا.هـ (فتوى رقم 9879) وقد نقلت هذا النص في كتابي قواعد ومسائل في توحيد الإلهية ، وبهذا قال الشيخ العلامة صالح الفوزان في كتابه البيان ص186.
والسجود للقبور والأوثان شرك أكبر بالإجماع، أما السجود عندها أو إليها ( قدامها ) لا لها ليس شركاً أكبر، ففرق بين السجود للشيء والسجود إليه، قال ابن تيمية: والساجد للشيء يخضع له بقلبه، ويخشع له بفؤاده. وأما الساجد إليه فإنما يولي وجهه وبدنه إليه ظاهراً كما يولي وجهه إلى بعض النواحي إذا أمه ا.هـ (4 / 358)
وقال ابن تيمية: وكذلك تكذيب الرسول بالقلب وبغضه وحسده والاستكبار عن متابعته أعظم من أعمال ظاهرة خالية عن هذا كالقتل والزنا والشرب والسرقة، وما كان كفراً من الأعمال الظاهرة: كالسجود للأوثان وسب الرسول ونحو ذلك، فإنما ذلك لكونه مستلزماً لكفر الباطن، وإلا فلو قدر أنه سجد قدام وثن ولم يقصد بقلبه السجود له بل قصد السجود لله بقلبه لم يكن ذلك كفراً، وقد يباح ذلك إذا كان بين المشركين من يخافهم على نفسه فيوافقهم في الفعل الظاهر، ويقصد بقلبه السجود لله، كما ذكر أن بعض علماء المسلمين وعلماء أهل الكتاب فعل نحو ذلك مع قوم من المشركين حتى دعاهم إلى الإسلام فأسلموا على يديه، ولم يظهر منافرتهم في أول الأمر ا.هـ ( مجموع الفتاوى (14 / 120) .
فإذا اتضح الفرق بين السجود له وإليه، وأن ما كان ( له ) فهو كفر بالإجماع دون ما كان (إليه) ، فمن سجد للصنم وأخذ مالاً أو لم يأخذ، فقد كفر، ومن أخذ مالاً أو لم يأخذ وسجد إليه فلا يكفر .
وقد حدثني أحد طلبة الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين، وهو طالب علم معروف عند المشايخ، أنه سأل الشيخ محمد بن صالح العثيمين عن هذه المسألة أيام دروسه في عنيزة فأجاب: بنحو هذا الجواب - والحمد لله رب العالمين - .
فمن وقع في أحد هذه المكفرات العملية المخرجة من الملة بعد توافر الشروط وانتفاء الموانع، فقد كفر ظاهراً وباطناً، لكن بشرط أن يثبت كفره ظاهراً بالشرع، فمن سجد للصنم كفر ظاهراً وباطناً ، ومن ذبح لصنم أو قبر فقد كفر ظاهراً وباطناً وهكذا...
وأنبه أن ( اللام) في اللغة تطلق بمعنى ( إلى) كقوله تعالى( أوحى لها) والمراد إليها ، كما أفاده ابن هشام في مغني اللبيب ، فمن أطلق: السجود للصنم ليس كفراً، وأراد باللام هنا بمعنى ( إلى ) فإطلاقه صحيح لغة ، وتقريره الشرعي صحيح كما سبق، لا سيما إذا بين أن مراده باللام معنى ( إلى) ، ومن يثرب متهماً عقيدته بسوء فقد جانب الصواب ومن علم أن أحداً أطلق ( اللام) وأرادها بمعنى (إلى) فسكت مدلساً كاتماً للمراد فليبوء بالإثم فإن الله لا يخفى عليه شيء ،إلا أن ترك مثل هذه التعبيرات أولى سداً لباب النزاعات والخصومات، قال ابن تيمية: وكثير من منازعات الناس في مسائل الإيمان ومسائل الأسماء والأحكام هي منازعات لفظية، فإذا فصل الخطاب زال الارتياب. والله سبحانه أعلم بالصواب ا.هـ (مجموع الفتاوى ( 18/ 279) . أعوذ بالله أن أَظلم أو أُظلم .
وصورة الذابح عند القبر يحتمل أن يكون إليه فلا يكفر، ويحتمل أن يكون للميت فيكفر، فصورته الظاهرة محتملة للكفر وغيره فلا يكفّر به إلا بعد الاستفصال، إذ الكفر لا يكون في الأعمال المحتملة، قال الإمام ابن تيمية: فإن التكفير لا يكون بأمور محتملة ا.هـ. ( الصارم المسلول (3/ 963) فإن ثبت أنه ذابح له كفر ظاهراً وباطناً، ومثله تماماً الساجد عند الصنم .
* أما مسألة الحكم بغير ما أنزل الله فقد قررت في المسألة المتنازع فيها أنه كفر أصغر لا أكبر، بحثت ذلك في كتابي قواعد ومسائل في توحيد الإلهية، وبينت أن علماء السنة في الزمن المعاصر اختلفوا فيها ما بين مكفر كفراً أكبر، أو مكفر كفراً أصغر، وعلى رأس المكفرين كفراً أصغر لا أكبر سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله - والشيخ العلامة ناصر الدين الألباني - رحمهما الله - وكلامهما في هاتين المسألتين متواتر ما بين مسموع ومكتوب كما تجد شيئاً منه في كتابي " الإمام الألباني وموقفه من الإرجاء" ص29-31، و"قواعد ومسائل في توحيد الإلهية "، بل وافقهما الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله - إلا في صورة المغير الكلي لجميع أحكام الشرع بالقوانين الوضعية .
لكن للأسف بعضهم يصفون من لا يكفر بالحكم بغير ما أنزل الله بأنه مرجئ ، وهذا من الظلم وإلا فهل هؤلاء العلماء مرجئة.
* ومسألة ترك الصلاة ، فالذي أدين الله به أن تركها كفر أكبر مخرج من الملة، وهذا ما عليه طائفة من فقهاء الملة، إلا أن القول بعدم الكفر قول آخر لأهل السنة لا المرجئة وإليه ذهب الزهري وأبو عبيد القاسم بن سلام والشافعي وأحمد في رواية وغيرهم ، كما عزاه إليهم المروزي في تعظيم قدر الصلاة والإسماعيلي والصابوني في كتابيهما الذي صنفاه في الاعتقاد، وابن تيمية في مواطن من كلامه ، تجد نص كلامهم والعزو إليه في كتابي" الإمام الألباني وموقفه من الإرجاء" ص25-28 .
فهل يصح بعد هذا لأحد أن ينسب القول بعدم التكفير إلى المرجئة دون أهل السنة ؟؟
هذا ما أحببت بيانه - وإن كنت غير راغب - إجابة على سؤالك ليظهر الأمر لمبتغيه .
وسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أخوك / عبد العزيز الريس