هل قصة عمر بن الخطاب رضي الله عنه والقبطي صحيحه ؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تستوقفني في تاريخنا الإسلامي قصص كثيرة وقد تداولها الناس على أنها قصص حدثت بالفعل ولا شك فيها إطلاقًا ، ومن بين هذه القصص قصة عمر بن الخطاب رضي الله عنه مع القبطي الذي جاء من مصر ليشكو لأمير المؤمنين الظلم الذي لحق به على يد ابن والي مصر عمرو بن العاص رضي الله عنه وهذه القصة تقول " عن أنس بن مالك – رضى الله عنه – أتى رجل من أهل مصر إلى عمر بن الخطاب رضى الله عنه فقال : يا أمير المؤمنين عائذ بك من الظلم قال : عذت بمعاذ ، قال : سابقت ابن عمرو بن العاص فسبقته ، فجعل يضربنى بالسوط ويقول : أنا ابن الأكرمين ، فكتب عمر إلى عمرو يأمره بالقدوم عليه ، ويَقْدم بابنه معه ، فقدم ، فقال عمر : أين المصرى؟ خذ السوط فاضرب
فجعل يضربه بالسوط ، ويقول عمر : اضرب ابن الألْيَمَيْن ، قال أنس : فضرب ، فوالله لقد ضربه ونحن نحب ضربه ، فما أقلع عنه حتى تمنينا أنه يرفع عنه ، ثم قال عمر للمصرى : ضع على صلعة عمرو ، فقال : يا أمير المؤمنين إنما ابنه الذى ضربنى ، وقد اشتفيت منه ، فقال عمر لعمرو : مُذْ كم تعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً ، قال : يا أمير المؤمنين لم أعلم ولم يأتنى." اهـ
هذه القصة بتداولها الناس بل تدرس في بعض المناهج في الدول العربية والإسلامية ويذكرها الوعاظ في خطبهم ودروسهم ، ولطالما قرأت هذه القصة وسمعتها إذ تبين لي أنها قصة ضعيفة سندا ومتنا ولم تصح وقد ضعفها علمائنا لأسباب سأذكرها لاحقا ،
لماذا هذه القصة ليست صحيحة ؟
هذه القصة ضعيفة سندا ومتنا
لأنّها لم تثبت بسند صحيح ومن يقول عكس ذلك فليثبت ونحن نستمع ولم تتعرض لها أمهات الكتب ، ومن كتب عنها فهو لم يثبت سندها وبما لا يقبل الشك في مصداقيتها والكتب التي ذكرتها قليلة جدًا وهي بدون سند صحيح .
أما " السند " • قال ابن عبدالحكم في كتابه فتوح مصر {ص 168-167 } : حُدثنا عن أبي عبدة عن ثابت البُناني وحميد عن أنس رضي الله عنه قال : أتى من أهل مصر إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه .... وذكر باقي القصة}
فقول ابن عبد الحكم : حُدثنا ، فيه انقطاع بين ابن عبدالحكم وأبي عبدة ؛ لأنه لم يقل حَدثنا أو سمعت أو أخبرني أو قال لي ابو عبدة وإنما قال حُـدثنا ، وأبو عبدة في الإسناد ضعيف .
قال الحافظ في{ الميزان }في ترجمته{468/4}: يوسف بن عبدة عن ثابت البناني وغيره وكان ختن حماد بن سلمة .
ثم قال : وقال العقيلي : أبي عبدة له مناكير عن حماد بن سلمة .
وقال الحافظ : ابو عبدة لين الحديث .
وأما " المتن " • 1- القصة لا تبين عدالة عمر بن الخطاب رضي الله عنه بقدر ما تبين عدالة ذلك القبطي الذي صحّح لعمر بن الخطاب رضي الله عنه حكمه على أساس أن الابن الذي ضرب فما دخل الأب فأصبح هو العادل لا عمر بن الخطاب رضي الله عنه عياذا بالله .
2- يقول الله سبحانه وتعالى في محكم التنزيل " (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ) الإسراء آية 15 وفي سورة فاطر {ولا تزر وازرة وزر أخرى }( فاطر 18 آية ). وفي كثير من السور الأخرى هناك ما يوضح المنهج الإلهي في العقاب والجزاء ، ولو تتبعنا ما جاء في هذه القصة التي بين أيدينا لوجدنا أنها تخالف مبدأ قانون العقاب والجزاء الإلهي ، فكيف يعاقب إنسان ما على جرم لم يقترفه ؟
3- هذه القصة فيها طعن مباشر بالصحابي عمرو بن العاص رضي الله عنه ، ويتبين ذلك من خلالها وبشكل جلي مما يدعونا للتساؤل " هل يمكن أن نصدق أن يأمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه وبما عرف عنه من عدل بضرب عمرو بن العاص رضي الله عنه وعلى يد قبطي - أو غير قبطي.
4- سؤال آخر يقول : هل يحاسب الإنسان بذنب غيره ؟ الجواب كلا ما لم يكن متواطئًا معه أو داعيا له إلى الظلم أو مقرًا له على منكره. وهذا الأمر لا نجده عند عمرو بن العاص في هذه القصة .
5- فقوله عن أنس عن القبطي { فجعل يضربه بالسوط ، ويقول عمر : أصرب ابن الأليمين !!)
فكيف يسب عمر بن الخطاب أمير المؤمنين عمراً بن العاص هذا السب الشنيع ، فيظعن في نسبه ، حاشا عمر من ذلك .
وكيف يُعطى النصراني أكثر من حقه من هذا المسلم ؟!
6- والنكارة الاخير هي : في القول المنسوب إلى عمر - وحاشاه - للقبطي ضع على صلعة عمرو )
فما ذنب عمرو بن العاص إذ ليس هو الضارب ، والله يقول ( ولا تزر وازرة وزر أخرى )
حاشا عمر العادل الوقّاف عند كتاب الله أن يحكم بهذه الأحكام ومنها الأمر بضرب غير الضّارب بذنب لم يقترفه وأمام الملأ !؟ ألا يعتبر هذا الأمر إهانة وظلم لصحابي جليل على ذنب لم يقترفه !؟
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا
منقول من كتاب حكم المظاهرات في الإسلام