بسم الله الرحمن الرحيم
الحديث الأول : و فيه أنه صلى الله عليه و سلم مسح على رأسه بفضل ماء يديه
عَنِ الرُّبَيِّعِ بنت معوّذ -رضي الله عنها- : ( أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ بِرَأْسِهِ مِنْ فَضْلِ مَاءٍ كَانَ فِي يَدِهِ ).
قال الإمام الألباني -رحمه الله- في "السلسلة الضعيفة" (2/424) : يجوز أن يُمسح الرأس بماء يديه الباقي عليهما بعد غسلهما، لحديث الربيع بنت معوذ: " أن النبي ﷺ مسح برأسه من فضل ماء كان في يده ". أخرجه أبو داود وغيره بسند حسن كما بينته في " صحيح أبي داود " (121) وهو مم يؤكد ضعف حديث الترجمة .انتهى (ما اشار إليه ب"حديث الترجمة" سيأتي التنبيه عليه إن شاء الله ).
و الحديث أخرجه أيضا الدارقطني في "سننه" (1 / 150) برقم: (288) ، وابن أبي شيبة في "مصنفه" (1 / 307) برقم: (212) , والطبراني في "الكبير" (24 / 268) برقم: (679) ، وفي (24 / 269) برقم: (681) .و حسّنه الإمام الألباني -رحمه الله- كما سبق ذكره في صحيح سنن أبي داود (121) .
الحديث الثاني : و فيه أنّه صلى الله عليه و سلم أخد ماءً جديدا
عن عَبْدَ اللهِ بْنَ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ الْمَازِنِيَّ -رضي الله عنهما- أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ فَمَضْمَضَ ثُمَّ اسْتَنْثَرَ ، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا وَيَدَهُ الْيُمْنَى ثَلَاثًا وَالْأُخْرَى ثَلَاثًا ، وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ بِمَاءٍ غَيْرِ فَضْلِ يَدِهِ وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ حَتَّى أَنْقَاهُمَا .
و الحديث أخرجه أخرجه مسلم في "صحيحه" (1 / 146) برقم: (236) وابن خزيمة في "صحيحه" (1 / 270) برقم: (154) وابن حبان في "صحيحه" (3 / 366) برقم: (1085) وأبو داود في "سننه" (1 / 46) برقم: (120)
قال النووي -رحمه الله- في "شرحه على صحيح مسلم" (ص 475) : قوله ( ومسح برأسه بماء غير فضل يده ) وفي بعض النسخ يديه ، معناه أنه مسح الرأس بماء جديد لا ببقية ماء يديه ، ولا يستدل بهذا على أن الماء المستعمل لا تصح الطهارة به ; لأن هذا إخبار عن الإتيان بماء جديد للرأس ، ولا يلزم من ذلك اشتراطه . والله أعلم .
تنبيه : أما حديث ( خُذُوا لِلرَّأْسِ مَاءً جَدِيدًا ) فهو ضعيف ضعفه غير واحد من أهل العلم منهم الإمام الألباني -رحمه الله- في الضعيفة برقم (995)[1] .
تنبيه ثانٍ : كذلك روى البيهقيُّ مِنْ حديثِ عبدِ الله بنِ زيدٍ رضي الله عنه: «أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ فَأَخَذَ لِأُذُنَيْهِ مَاءً خِلَافَ المَاءِ الَّذِي أَخَذَ لِرَأْسِهِ» و قد صرَّحَ بشذوذِه الحافظُ ابن حجر - رحمه الله- في "بلوغ المَرام" (1/ 102)
و مع ذلك فإن احتمال جمعه مع ما سبق من أحاديث واردٌ كما قال المباركفوري -رحمه الله- في تحفة الأحوذي (1/47) : قَوْلُهُ [2]: ( وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ رَأَوْا أَنْ يَأْخُذَ لِرَأْسِهِ مَاءً جَدِيدًا ) وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِحَدِيثِ الْبَابِ ، قَالَ أَبُو الطَّيِّبِ السِّنْدِيُّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ : وَبِهِ أَخَذَ عُلَمَاؤُنَا - يَعْنِي الْحَنَفِيَّةَ - غَيْرَ أَنَّهُمْ قَالُوا : هَذَا إِذَا أَصَابَ يَدُهُ شَيْئًا بِحَيْثُ لَمْ يَبْقَ الْبَلَلُ فِي يَدِهِ ، وَهُوَ لَا يُنَافِي الْحَدِيثَ بَلْ الْعِلَّةُ تَقْتَضِيهِ ، نَعَمْ ظَاهِرُ هَذَا الْحَدِيثِ الْإِطْلَاقُ فَيَأْخُذُ مَاءً جَدِيدًا عَلَى كُلِّ حَالٍ ، لَكِنَّ الْحَدِيثَ الثَّانِيَ مَسَحَ رَأْسَهُ بِمَاءٍ غَبَرَ أَيْ بَقِيَ مِنْ فَضْلِ يَدَيْهِ يَدُلُّ عَلَى الَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ عُلَمَاؤُنَا ، فَهُمْ حَمَلُوا أحد الْحَدِيثَيْنِ عَلَى حَالَةٍ وَالْآخَرَ عَلَى حَالَةٍ أُخْرَى ، فَفِيهِ جَمْعٌ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْجَمْعَ أَوْلَى . انْتَهَى كَلَامُ أَبِي الطَّيِّبِ .
فيتضح مما سبق أن كلا الفعلين من هديِه عليه الصلاة و السّلام
وصلّى الله و سلم على نبيّنا محمّدٍ و على آلِهِ و صَحبِهِ أَجمعِين .
__________________________________________________ ________________________
[1][قال عنه : ضعيف جدا. رواه الطبراني (1 / 214 / 2) عن دهثم بن قران عن نمران بن جارية عن أبيه مرفوعا. قلت -أي الألباني- : وهذا سند ضعيف جدا دهثم قال الحافظ ابن حجر: " متروك ". وقال الهيثمي في " المجمع " (1 / 234) : " رواه الطبراني في " الكبير " وفيه دهثم بن قران ضعفه جماعة، وذكره ابن حبان في الثقات ". وذكره ابن حبان في " الضعفاء " أيضا وقال (1 / 290) : " كان ممن يتفرد بالمناكير عن المشاهير، ويروي عن الثقات أشياء لا أصول لها، قال ابن معين: لا يكتب حديث ". قلت: وهذا معناه أنه متروك كما قال الحافظ، وهو قول ابن الجنيد، ومثله قول أحمد: " متروك الحديث ". وقال النسائي: " ليس بثقة "].
[2][أي الترمذي -رحمه الله-]