عن صحة القصة المشهورة المروية بين الحجاج بن يوسف الثقفي
وبين الإمام الكبير والتابعي الجليل سعيد بن جبير بن هشام الأسدي
والذي قتله الحجاج بعدها، وهل تستحق أن يُعاد نشرها وإرسالها ؟
الجواب:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فقصة الحجاج مع سعيد بن جبير ـ المشهورة ـ
أخرجها أبو نعيم الأصبهاني في "حلية الأولياء" (4/290ـ294) مختصرة وطولة:
حدثنا أبي ثنا خالي احمد بن محمد بن يوسف أخبرني ابو أمية محمد بن ابراهيم في كتابه الى قال ثنا حامد بن يحيى ثنا حفص ابو مقاتل السمرقندي ثنا عون ابن أبي شداد العبدي قال بلغني ان الحجاج بن يوسف لما ذكر له سعيد ابن جبيرأرسل اليه قائدا من أهل الشام من خاصة أصحابه يسمى المتلمس ابن الاحوص ومعه عشرون رجلا ، وفيها:
فَأُدْخِلَ ـ سَعِيْدُ بنُ جُبَيْر ـ عَلَيْهِ ـ يعني؛ الحجاج ـ، فَقَالَ: مَا اسْمُكَ ؟ قَالَ: سَعِيْدُ بنُ جُبَيْرٍ . قَالَ : أَنْتَ شَقِيُّ بنُ كُسَيْرٍ . قَالَ : بَلْ أُمِّي كَانَتْ أَعْلَمَ بِاسْمِي مِنْكَ، قَالَ : شَقِيْتَ أَنْتَ ، وَشَقِيَتْ أُمُّكَ . قَالَ : الغَيْبُ يَعْلَمُهُ غَيْرُكَ . قَالَ : لأُبْدِلَنَّكَ بِالدُّنْيَا نَاراً تَلَظَّى . قَالَ : لَوْ عَلِمْتُ أَنَّ ذَلِكَ بِيَدِكَ لاتَّخَذْتُكَ إِلَهاً . قَالَ : فَمَا قَوْلُكَ فِي مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ؟ قَالَ : نَبِيُّ الرَّحْمَةِ ، إِمَامُ الهُدَى . قَالَ : فَمَا قَوْلُكَ فِي عَلِيٍّ ، فِي الجَنَّةِ هُوَ أَمْ فِي النَّارِ ؟ قَالَ : لَوْ دَخَلْتُهَا ، فَرَأَيْتُ أَهْلَهَا ، عَرَفْتُ......
ـ إلى آخر ما جاء في القصة حتى نهايتها ـ قَالَ الحجاج: كُبُّوْهُ لِوَجْهِهِ . قَالَ : " مِنْهَا خَلَقْنَاكُم ، وَفِيْهَا نُعِيْدُكُم " . قَالَ: اذْبَحُوْهُ . قَالَ : إِنِّي أَشْهَدُ وَأُحَاجُّ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ ، وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ ، وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ ، خُذْهَا مِنِّي حَتَّى تَلْقَانِي يَوْمَ القِيَامَةِ . ثُمَّ دَعَا اللهَ سَعِيْدٌ ، وَقَالَ : اللَّهُمَّ لاَ تُسَلِّطْهُ عَلَى أَحَدٍ يَقْتُلُهُ بَعْدِي . فَذُبِحَ عَلَى النِّطْعِ ". انتهى.
وأوردها المزي في "تهذيب الكمال" في ترجمة سعيد بن جير ـ مختصرة ومطولة أيضاً ـ (10/368، 373).
قال الذهبي: حامد بن يحيى البلخي حدثنا حفص أبو مقاتل السمر قندي حدثنا عون بن أبي شداد بلغني أن الحجاج لما ذكر له سعيد بن جبير أرسل إليه قائدا يسمى المتلمس بن أحوص في عشرين من أهل الشام.
ثم ساق الرواية مطولةً في "سير أعلام البنلاء"(4/328ـ332).
وقال: هذه حكاية منكرة غير صحيحة رواها أبو نعيم في الحلية".
قلت: فيها حفص بن سلم أبو مقاتل السمرقندي.
قال ابن عدي عن حديث : (من قبل بين عيني أمه): وهذا منكر إسنادا ومتنا .. وأبو مقاتل ـ حفص بن سلم السمرقندي ـ هذا له أحاديث كثيرة ويقع في أحاديثه مثل ما ذكرته أو أعظم منه وليس هو ممن يعتمد على رواياته". "الكامل في الضعفاء" (2/392/ترجمة: 515).
وذكره ابن الجوزي في "الضعفاء والمتروكين" فقال: "يروي عن أيوب وعبيد الله بن عمر وابن أبي رواد ، كان قتيبة يضعفه بمرة، ويقول: لايدري ما حدث به . وقال عبد الرحمن بن مهدي والله لا تحل الرواية عنه. قال ابن حبان: يأتي بالأشياء المنكرة التي لا أصل لها. وقال ابن عدي لا يعتمد على رواياته". (1/221/ترجمة: 932).
وقال الذهبي في " الميزان ": وهاه قتيبة شديداً ، وكذبهُ ابنُ مهدي". (1/557/ترجمة: 2120).
وقال الحافظُ ابنُ حجر في " لسان الميزان ": "ووهاهُ الدارقطني أيضاً". (2/393/ترجمة: 322).
فالقصة لا تصح وعلى هذا لا يجوز نقلها وتداولها ونشرها على أنها صحيحة ونأخذ منها عبر ودروس.
ولأن في بعض ألفاظها نكاة وتنقص من عِلْمِ وقدر الإمام التابعي الجليل سعيد بن جبير، فعلى سبيل المثال فقط لا الحصر جاء في القصة:
قَالَ الحجاج: فَمَا قَوْلُكَ فِي عَلِيٍّ ، فِي الجَنَّةِ هُوَ أَمْ فِي النَّارِ ؟
فأجاب سعيد:
قَالَ : لَوْ دَخَلْتُهَا ، فَرَأَيْتُ أَهْلَهَا ، عَرَفْتُ.
فلو أن القصة صحيحة وعلى شجاعة سعيد وفصاحته وجَلَدِه وحسن ظنه بالله وقوة توكله عليه، لقال: هو في الجنة. من غير تردد ولا شك، لأن النبي صلى الله عليه وسلم شهد لعلي رضي الله عنه بالجنة ولا ريب، ولا يخفى مثل ذلك على مثل ابنجبير رحمه الله.
والله أعلم .
كتبه
أبو فريحان جمال بن فريحان الحارثي
الخميس 25 / شوال / 1435هـ.
عن صحة القصة المشهورة المروية بين الحجاج وابن جبير / وهل يجوز نشرها والاستشهاد بها ؟
العرض العادي
