وعن أبي هريرة ( مرفوعاً: «يَمِينُ اللَّهِ مَلْأَى لَا تَغِيضُهَا نَفَقَةٌ(2)سَحَّاءُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْفَقَ مُنْذُ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ فَإِنَّهُ لَمْ يُغِضْ مَا فِي يَمِينِهِ وَالقِسْطَ بِيَدِهِ الْأُخْرَى يَرْفَعُ وَيَخْفِضُ» أخرجاه.
[الشرح]
هذا فيه إثبات صفة اليد لله جل وعلا؛ بل إثبات صفة اليدين للحق تبارك وتعالى. والحق جل وعلا نُثبت له هاتين الصفتين كما قال: بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ[المائدة:64]، وقال سبحانه وتعالى: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيّ[ص:75]، وقال جل وعلا: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَاماً فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ[يّـس:71]، وأشباه هذه الآيات والأحاديث التي فيها إثبات صفة اليدين للحق جل وعلا.
وهذا من الإيمان فهو سبحانه متصف بذلك على ما يليق بجلاله وعظمته: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ[الشورى:11].
(وكلتا يدي الرحمن جل وعلا يمين) فهل يقال: إن للرحمن جل وعلا يميناً وشمالاً ؟ هذا فيه بحث.
والذي في الحديث أن الله سبحانه وتعالى سمى يديه يعني: وصف يديه واحدة باليمين، وقال في الثانية: (وبيده الأخرى القسط يخفضه ويرفعه)، و(كلتا يدي الرحمن يمين) كما جاء في الحديث: «إن المقسطين على منابر من نور وعلى يمين الرحمن وكلتا يديه يمين».
وقوله: (وكلتا يديه يمين) قال العلماء معناه: أن يدي الرحمن سبحانه وتعالى كلها يمين، يعني في الخير وفي الإنفاق؛ ولأن العرب تجعل الشرف لليمنى على اليد الأخرى، وأن اليد الأخرى في الإنسان يعنى اليسرى: أقل وأوضع من اليد اليمنى، فاليد اليمنى هي الشريفة والثانية ليست كذلك. فقول النبي (: (وكلتا يديه يمين) يعني: أن يدي الرحمن جل وعلا في الشرف والصفة سواء؛ ليس ثم فضل ليد على أخرى.
هذه الأخرى هل يقال: إنها الشمال؟ جاءت في صحيح مسلم في حديث، والحديث في إسناده ضعف وساقه مسلم رحمه الله في الشواهد، ولذلك أعله طائفة من أهل العلم في ذِكر التنصيص على ذكر الشمال، وقالوا: إن ذكر الشمال فيه ليس محفوظاً وأن الصواب فيه الحديث: (وبيده الأخرى القسط) وليس (بشماله). وهذا ظاهر من حيث الإسناد؛ فإن مسلماً رحمه الله تعالى ساقه في الشواهد، ومعلوم أن سياق الحديث في الشواهد لا يعني تصحيح كل كلمة فيه. ولهذا ذهب كثير من أهل العلم إلى عدم إثبات كلمة (الشمال) في صفة اليد لله جل وعلا.
وقال طائفة من المحققين من أهل العلم: تثبت اليمين والشمال، والشمال شريفة يمين هي كاليمين، والشمال ليس نقصاً لها؛ ولكن هي يمين وشمال مثل ما جاء في الحديث الذي في مسلم ما دام أن مسلماً رواه قد صححه. ومال إلى هذا: إمام الدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب في آخر كتابه التوحيد، فإنه ذكر في المسائل في آخر الكتاب فقال: التنصيص على الأخرى بأنها الشمال. وهذا يقول به طائفة من أهل العلم المحققين في هذا.
والمسألة تحتاج إلى مزيد نظر، والحديث -كما ذكرت لكم- في إسناده ضَعف، ويكون ذكر الشمال فيه شاذاً وقد نص على ذلك بعض أئمة الحديث كالبيهقي وغيره.
نكتفي بهذا وفق الجميع لما يحب ويرضى.اهـ
المصدر: شرح كتاب" أصول الإيمان" لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب- رحمه الله تعالى- شرحه معالي الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ حفظه الله.
السؤال
كيف نجمع بين قول النبي صلى الله عليه وسلم: "المقسطون على منابر من نور على يمين الرحمن وكلتا يديه يمين"، وبين قوله صلى الله عليه وسلم: "ثم يطوي الأرضين السبع ثم يأخذهن بشماله"؟
الإجابة
فأجاب بقوله: كلمة: "بشماله" اختلف فيها الرواة: فمنهم من أثبتها، ومنهم من أنكرها وقال لا تصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأصل هذه التخطئة هو ما ثبت في صحيح مسلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "المقسطون على منابر من نور على يمين الرحمن وكلتا يديه يمين"، وهذا يقتضي أنه ليس هناك يد يمين ويد شمال.
ولكن قد روى مسلم في صحيحه إثبات الشمال لله تعالى، فإذا كانت محفوظة فهي عندي لا تنافي، "كلتا يديه يمين" لأن المعنى أن اليد الأخرى ليست كيد الشمال بالنسبة للمخلوق ناقصة عن اليد اليمنى، فقال: "كلتا يديه يمين" أي ليس فيهما نقص، فلما كان الوهم ربما يذهب إلى أن إثبات الشمال يعني النقص في هذه اليد دون الأخرى قال: "كلتا يديه يمين"، ويؤيده قوله: "المقسطون على منابر من نور على يمين الرحمن" فإن المقصود بيان فضلهم ومرتبتهم وأنهم على يمين الرحمن سبحانه.
وعلى كل فإن يديه سبحانه اثنتان بلا شك، وكل واحدة غير الأخرى وإذا وصفنا اليد الأخرى بالشمال فليس المراد أنها أنقص من اليد اليمنى بل كلتا يديه يمين.
والواجب علينا أن نقول: إن ثبتت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم نؤمن بها، وإن لم تثبت فنقول: كلتا يديه يمين.
مجموع فتاوى و رسائل الشيخ محمد صالح العثيمين المجلد الأول - باب الأسماء والصفات
~
السؤال:
فضيلة الشيخ: جاء في حديث وصف يده سبحانه وتعالى بأن كلتا يديه يمين، وجاء في حديث آخر في صحيح مسلم: (أن الله عز وجل يوم القيامة يقبض السماوات والأرض بيمينه وتبقى شماله فارغة) فكيف الجمع بين الحديثين؟
الإجابة:
ليس هذا نص الحديث وإنما نصه هكذا: (يقبض الله السماوات بيمينه والأرض بشماله) والجمع بين الحديثين واضح، أن الله تعالى له يمين وشمال، لكن كلتا اليدين يمين، أي: يُمن وخير وبركة، فلا يتوهم واهم أنه إذا كانت له يد شمال أن يده الشمال قاصرة كما هي في المخلوقين، فالخلق أشرفهم البشر، والشخص يده الشمال قاصرة عن يده اليمين، ولهذا نُهي الإنسان أن يأكل بشماله، أو يشرب بشماله، أو يأخذ بشماله، أو يعطي بشماله، فلما كان البشر هذه صفة اليد الشمال عندهم، رُفع هذا الوهم بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (كلتا يديه يمين).
جزء من محاضرة : ( لقاء الباب المفتوح [30] ) للشيخ : ( محمد بن صالح العثيمين )
~