يقول الله سبحانه وتعالى : (( وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ )) [ المائدة : 48 ] فقد أخبر سبحانه وتعالى أن كتابه العزيز مهمين على جميع الكتب قبله . وانه مصدق لها، وأن هذا التصديق لا يعني التسليم بكل ما ورد فيها بل هو على مستوى الهيمنة عليها كما أشارت الآية الكريمة . قال ابن عباس رضي الله عنهما : (( المهيمن الأمين والقرآن أمين على كل كتاب قبله )) وقال ابن عباس ايضاً : (( المهيمن : الحاكم )) . وكلا قوليه هنا صحيح . فالقرآن الكريم هو الأمين والحاكم على ما في الكتب السابقة . قال ابن جرير : (( القرآن أمين على الكتب المتقدمة فما وافقه منها فهو حق وما خالفه منها فهو باطل )).
قال الامام ابن تيمية : (( فجعل القرآن مهيمناً والمهيمن الشاهد الحاكم المؤتمن فهو يحكم بما فيها مما لم ينسخه الله، ويشهد بتصديق ما فيها مما لم يبدل )) .
يقول الاستاذ أحمد الشايب أن القرآن الكريم مهيمن على كل ما سواه من تاريخ و كتب سماوية، و هو مصدق لها فيما لم يحرف، و مبين لما كانوا يخفون و يحرفون فيقول الله سبحانه وتعالى : (( يأهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيراً مما كنتم تخفون من الكتاب )) . ويقول جل جلاله : (( ان هذا القرآن يقص على بني اسرائيل أكثر الذي هم فيه يختلفون )) . وبالتالي نحن نؤمن بأن القرآن الكريم لايمكن أن يتحاكم إلى التاريخ القديم و لا التوراة و الانجيل، اذ ثبت أنه الثقة الحجة، و أنه هو الذي يهيمن على ما سواه و أن قصصه حق لا شك فيه .
ولقد اتخذت الهيمنة القرآنية - أيها السائل الكريم - على الكتب السابقة صوراً عديدة نذكر منها ما يلي :
الصورة الأولى : انه جمع محاسن الكتب السابقة واستيعاب محتوياتها ، ضرورة كون القرآن آخر الكتب السماوية، أنزله الله على خاتم الرسل لتنظيم الحياة على النطاق العالمي بعد أن بلغت البشرية رشدها .
الصورة الثانية : نفي الأمور الدخيلة في الكتب السماوية بعد أن طال عليها الأمد بما كتبته أيدي أتباعها من وقت لآخر كما تمليه أهواؤهم ومصالحهم ، وتصدى القرآن لهذه الصنيعة التي يمكن وصفها اعتداء على قدسية الكتب السماوية . خصوصا وان الله وكلهم وجعلهم أمناء عليها .
الصورة الثالثة : كشف الحقائق المكتومة كقوله سبحانه وتعالى عن التوراة واليهود : (( وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلَا آبَاؤُكُمْ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ )) وقوله " تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا " أي تجعلون جملتها قراطيس أي قطعا تكتبونها من الكتاب الذي بأيديكم وتحرفون منها ما تحرفون وتبدلون وتتأولون وتقولون هذا من عند الله أي في كتابه المنزل وما هو من عند الله ولهذا قال " تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا " .
هذا وان موقف العقيدة الإسلامية من كتب التوراة والاناجيل الحالية هو ان مضمون كل نص من نصوصهما ، سواء كان خبراً تاريخياً ، أو حقيقة علمية ، أو حكماً شرعياً : إن صدقه القرآن أو صدقته السنة فهو مقبول عندنا يقيناً ، وإن كذبه القرآن أو كذبته السنة فهو مردود يقيناً .
واما إن سكت القرآن وسكتت السنة عن تصديق أو تكذيب مضمون نص من نصوص التوراة والانجيل ، فإننا نسكت عنه ، فلا نصدق ولا نكذب ، لأحتمال الصدق والكذب فيه، وذلك مصداقاً لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه ابي داود : (( ما حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم، وقولوا آمنا بالله ورسله، فإن كان باطلاً لم تصدقوه، وإن كان حقاً لم تكذبوه )) ، إلا إذا دلت دلائل الواقع على تصديقه أو تكذيبه ، فإننا نتبع حكم هذه الدلائل من تصديق أو تكذيب .
هذا وعلينا ان نعرف ان النصارى يعتبرون رسائل بولس من ضمن الكتاب وأنها موحى بها من الله بينما هي عندنا على العكس فليست كذلك لأننا نعتقده من الكاذبين الذين قد ظهروا في الطبقة الاولى ورسائله ليست بوحي. فليس بين المسيح عليه السلام وبين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم رسول ونبي حتى يكون له كتاب. والرسول عليه الصلاة والسلام يقول : (( أنا أولى الناس بابن مريم. الأنبياء أولاد علات. وليس بيني وبينه نبي )) رواه مسلم . وبحسب النص القرآني الكريم فإن المسيح بشر برسول يأتي من بعده اسمه أحمد لا برسول من بعده اسمه بولس .
وعلى هذا يتضح أننا عندما نستشهد بشيء من كتبهم نستشهد بشيء عندنا ما يؤيده أنه حق لا بمجرد الهوى أو اتباع الظن