بسم الله الرحمن الرحيم
فهذه إلماحة في تخريج حديث سؤال عمر -رضي الله عنه- للنبي -صلى الله عليه وسلم- في نوم الجنب وتوجيه النبي -صلى الله عليه وسلم- له بالوضوء قبل ذلك، وهذا الحديث مشهور من حديث ابن عمر أو عمر -رضي الله تعالى عنهما- بألفاظ متقاربة منها:
- ذَكَرَ عُمَرُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ تُصِيبُهُ الْجَنَابَةُ مِنَ اللَّيْلِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَوَضَّأْ وَاغْسِلْ ذَكَرَكَ، ثُمَّ نَمْ».
- أَيَنَامُ أَحَدُنَا وَهُوَ جُنُبٌ؟ قَالَ: لِيَتَوَضَّأْ وَلْيَنَمْ وَلْيَطْعَمْ إِنْ شَاءَ.
- أَيَنَامُ أَحَدُنَا وَهُوَ جُنُبٌ ؟ قَالَ : إِذَا أَرَادَ أَنْ يَنَامَ فَلْيَتَوَضَّأْ.
- تُصِيبُنِي الْجَنَابَةُ بِاللَّيْلِ فَمَا أَصْنَعُ ؟ قَالَ : اغْسِلْ ذَكَرَكَ وَتَوَضَّأْ ، ثُمَّ ارْقُدْ.
- أَيَنَامُ أَحَدُنَا وَهُوَ جُنُبٌ ؟ قَالَ : يَتَوَضَّأُ وَيَنَامُ إِنْ شَاءَ
إلا أنه جاء بلفظ وسياق غريب أورده ابن خزيمة في صحيحه، وابن حبان من طريقه فقال الأول:
211- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيَنَامُ أَحَدُنَا وَهُوَ جُنُبٌ ؟ قَالَ : يَنَامُ وَيَتَوَضَّأُ إِنْ شَاءَ. ا.هـــ
ففي هذا اللفظ تنصيص على التخيير بفعل الوضوء من عدمه، والحديث كما سبق مشهور بغيرها، فنشطت لبحث هذه الزيادة التي يعتمد عليها من يقول: باستحباب الوضوء للجنب قبل النوم دون وجوبه على ظاهر الأمر، فكان هذا المختصر، فأقول مستعينا بالله:
روى هذا الحديث عن ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما- جماعة، فالطريق الأولى - وهي التي ورد في بعض طرقها الزيادة- من طريق:
عبد الله بن دينار ، رواه عنه جماعة:
1- سفيان بن عيينة . رواه عنه أحمد في مسنده، والحميدي في مسنده، وابن الجارود عن عبد الله بن هاشم ومحمود بن آدم كلاهما عنه، والسراج في حديثه قال: حدثنا محمد بن الصباح" عنه، وسعيد بن عبد الرحمن المخزومي كما عند ابن خزيمة، وبشر بن مطر كما عند ابن عساكر في معجمه.
2- مالك بن أنس.كما عند البخاري ومسلم في صحيحهما، والنسائي في الصغرى والكبرى، والبغوي في السنة ، وابن حبان في صحيحه.
3- شعبة بن الحجاج. كما عند ابن خزيمة قال: حَدَّثَنَا أَبُو مُوسَى ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ" به، وابن حبان قال: أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ الْحُبَابِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، وَالْحَوْضِيّ" كلاهما عنه، والسراج قال: حدثنا يعقوب بن إبراهيم، ثنا أبو عمر" عنه.
4- إسماعيل بن جعفر. كما في حديث السراج قال: حدثنا أبو عمر حفص بن عمر" عنه، وابن حبان قال: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السَّامِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ الْمَقَابِرِيُّ " عنه به.
5- صالح بن قدامة. كما عند النسائي في الكبرى قال: أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: أَخْبَرَنَا صَالِحُ بْنُ قُدَامَةَ عنه به.
6- سفيان الثوري. أخرجه عنه الفضل بن دكين في كتاب الصلاة له.
وقال الحافظ في إتحاف المهرة:
فِيهِ: عَنِ ابْنِ مَرْزُوقٍ، ثنا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، ثنا شُعْبَةُ.
وَعَنِ ابْنِ مَرْزُوقٍ، ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ.
وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ شَيْبَةَ، ثنا أَبُو نُعَيْمٍ.
وَعَنْ حُسَيْنِ بْنِ نَصْرٍ، ثنا الْفِرْيَابِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ، هُوَ الثَّوْرِيُّ.
وَعَنْ يُونُسَ، أنا ابْنُ وَهْبٍ، أَنَّ مَالِكًا حَدَّثَهُ.
ثَلاثَتُهُمْ عَنْهُ، بِهِ. ا.هـــ
كل هؤلاء رووه عن ابن دينار بالرواية المشهورة ، وخالفهم أحمد بن عبدة الضبي [وثقه أبو حاتم والنسائي وقال مرة: صدوق لا باس به] فزاد فيه زيادة قال ابن خزيمة -رحمه الله-:
211- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيَنَامُ أَحَدُنَا وَهُوَ جُنُبٌ ؟ قَالَ : يَنَامُ وَيَتَوَضَّأُ إِنْ شَاءَ. ا.هــ
فتفرد بهذه الزيادة ورواها من طريق شيخه ابن عيينة -رحمه الله-، وقد سبق أنّ ابن عيينة روى الحديث عنه جماعة:
1- الإمام أحمد
2- الإمام الحميدي.
3- محمد بن الصباح ، هو الدولابي (ثقة حجة)
4- سعيد بن عبد الرحمن المخزومي. (وثقه النسائي ، وقال مسلمة: وهو ثقة فى ابن عيينة)
5- عبد الله بن هاشم (ثقة)
6- محمود بن آدم. (وثقه الدارقطني وأخرج له البخاري)
7- بشر بن مطر. (وثقه الدارقطني وقال أبو حاتم صدوق)
كلهم رووه بغير الزيادة، فهو قد خالف سبعة في طبقته ، يكفي في طرحها مخالفته للإمامين أحمد والحميدي، ومع هذا فقد وافقهم خمسة آخرون في طبقة شيخه، حيث رواه عن ابن دينار :
1- الإمام مالك.
2- شعبة بن الحجاج.
3- سفيان الثوري.
4- إسماعيل بن جعفر.
5- صالح بن قدامة. (صدوق يخطئ)
كلهم عن ابن دينار عن ابن عمر بغير هذه الزيادة، هذا على فرض صحتها عن ابن عيينة، وقد أشار ابن خزيمة للاختلاف على ابن عيينة فيها فقال بعد إيراده للحديث بالزيادة:
212- حَدَّثَنَا بِهِ سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَخْزُومِيُّ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بِهَذَا الإِسْنَادِ ، فَقَالَ : إِنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ سَأَلَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيَنَامُ أَحَدُنَا وَهُوَ جُنُبٌ ؟ قَالَ : إِذَا أَرَادَ أَنْ يَنَامَ فَلْيَتَوَضَّأْ. ا.هــ
فأشار إلى أنه بنفس السند لكن بدون الزيادة، وقد سبق بيان تفرد أحمد بن عبدة عن ابن عيينة بها، وأنّ عامة أصحاب ابن عيينة لم يذكروها فهو بريء منها.
وهذا الحديث مشهور عن ابن عمر -رضي الله عنهما- فقد رواه بالإضافة لعبد الله بن دينار:
2- مولاه نافع، أثبت الناس في ابن عمر، رواه عنه جماعة:
أ- ابن جريج كما عند عبد الرزاق عنه ومن طريقه مسلم.
ب- الليث بن سعد كما عند البخاري.
ج- جويرية كما عند مسلم.
د- عبيد الله بن عمر كما عن أحمد في مسنده، ومسلم في صحيحه ، والترمذي في سننه، والنسائي في الكبرى.
ه- أيوب السختياني كما عند أحمد.
و- ابن عون كما عند النسائي في الكبرى، وفي جزء ابن السراج.
ز- أسامة بن زيد عند النسائي في الكبرى، والأسماء والكنى للدولابي.
ح- عمرو بن سعد كما عند النسائي في الكبرى.
ط- عبد الرحمن بن ثابت كما عند الطبراني في مسند الشاميين.
ي- المعلى بن إسماعيل كما عند الطبراني في مسند الشاميين.
ك- شعيب بن أبي حمزة عند الطبراني.
ل- إسماعيل بن علية كما في مصنف ابن أبي شيبة.
م- محمد بن إسحاق كما في شرح معاني الآثار للطحاوي.
ن- عبد الله عمر المُكبر كما عند الفضل بن دكين في كتاب "الصلاة".
س- يحيى بن أبي كثير كما في جزء السراج وجزء ابن فيل، وجزء الترقفي.
فعدد ما وقفت عليه من الرواة عن نافع خمسة عشر راويا، كلهم يرويه عن نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما - بالرواية المشهورة من غير تخيير.
وهكذا رواه عن ابن عمر:
3- سالم بن عبد الله بن عمر، ابنه ومن أثبت الناس فيه -أو أثبتهم مع نافع-، رواه عنه:
أ- الإمام الزهري كما عند عبد الرزاق في مصنفه، والنسائي في الكبرى، والطحاوي في شرح معاني الآثار، والبزار في مسنده.
ب- سالم بن أبي الجعد كما عند ابن أبي شيبة في مصنفه، والنسائي في الكبرى.
وأيضًا رواه عن ابن عمر:
4- أبو سلمة بن عبد الرحمن، رواه عنه:
أ- يحيى بن أبي كثير كما عند النسائي في الكبرى.
كل هذا يدل على أنّ هذه الزيادة لا أصل لها من حديث ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما-.
ومع هذا فلو سلمنا بثبوت الزيادة من طريق عبد الله بن دينار -مع أنّ هذا دونه خرط القتاد فأين سنذهب بسبعة ثقات في طبقة أحمد بن عبدة، وخمسة في طبقة ابن عيينة؟- فكان يبقى البحث في مخالفة عبد الله بن دينار لثلاثة من حفاظ حديث ابن عمر -رضي الله عنهما-، فنافع وحده أو سالم وحده يُقدم عليه! فكيف إذا اجتمعا سويا على إهمال هذه الزيادة؟! ، ثم وافقهما كذلك أبو سلمة، فأنى لهذه الزيادة أن تصح.
فهي زيادة منكرة إذن، والذي يظهر - والله تعالى أعلى وأعلم- أنّ الراوي قد التبس عليه لفظ حديث ابن عيينة ، فإنّ ابن عيينة ورد في حديثه (التخيير= إن شاء) لكن ليس راجعًا على الوضوء بل للنوم، وأيضا ليس في كل الطرق، ففي مسند أحمد قال:
وَيَنَامُ إِنْ شَاءَ وَقَالَ سُفْيَانُ مَرَّةً : لِيَتَوَضَّأْ وَلْيَنَمْ. ا.هـ
ومرة أرجع التخيير للطعام، ففي مسند الحميدي:
أينام أحدنا وهو جنب فقال نعم إذا توضأ ويطعم إن شاء ا.هـ
وهكذا عند ابن الجارود:
وَلْيَطْعَمْ إِنْ شَاءَ ا.ه
وبنحوه في معجم ابن عساكر.
وفي جزء "حديث السراج" ما يُشير إلى الشك في هذا اللفظ ففيه ما نصه:
1468- حدثنا محمد بن الصباح، أبنا سفيان، عن عبد الله بن دينار،عن ابن عمر قال: ((سأل عمر رسول الله صلى الله عليه وسلم : أينام أحدنا وهو جنب؟ قال: يتوضأ -قال هو أو غيره- ويطعم إن شاء)) ا.هــ
فكأن الراوي أخطأ في عود التخيير فأرجعه إلى الوضوء بدلا من الطعام أو النوم، وأخيرا يظهر جليًا في نهاية هذا الجمع شذوذ هذه الزيادة بل نكارتها، فالتفرد والمخالفة واقعة في كل طبقات الإسناد، وعليه فلا يصح الاعتماد عليها في صرف ظاهر الأمر من الوجوب إلى الاستحباب ولينظر في الأدلة الأخرى، هذا والله تعالى أعلى وأعلم والحمد لله رب العالمين
منقول