منتديات الإسلام والسنة  

العودة   منتديات الإسلام والسنة > المنتديات الشرعية > منتدى التوحيد والعقيدة


إنشاء موضوع جديد إضافة رد
 
أدوات الموضوع تقييم الموضوع انواع عرض الموضوع
رقم المشاركة : ( 1 )  أعطي حفيد الصالحين مخالفة
حفيد الصالحين غير متواجد حالياً
 
حفيد الصالحين
عضو مميز
الأوسمـة
بيانات الإتصال
آخر المواضيع
 
رقم العضوية : 34
تاريخ التسجيل : Oct 2010
مكان الإقامة :
عدد المشاركات : 171 [+]
آخر تواجد : [+]
عدد النقاط : 10

افتراضي -الجزء الثامن عشر - باب أَحكَامِ التَّرْجِيحِ «تابع» للشيخ محمد علي فركوس

كُتب : [ 07-10-2011 - 03:06 PM ]

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
-الجزء الثامن عشر-

[ في ترجيح الخبر بحسن النسق ودقة التقصي ]

l قال الباجي -رحمه الله- في [ص 336]:
«وَالتَّاسِعُ: أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الرَّاوِيَيْنِ أَشَدَّ تَقَصِّيًا لِلْحَدِيثِ وَأَحْسَنَ نَسَقًا لَهُ مِنَ الآخَرِ، فَيُقَدَّمُ حَدِيثُهُ عَلَيْهِ لأَنَّ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى شِدَّةِ اهْتِبَالِهِ بحُكْمِهِ وَبحِفْظِ جَمِيعِ أَمْرِهِ».

• وقال المصنِّف -رحمه الله- في [ص 332]:
«وَالثَالِثُ: أَنْ يَكُوَن رُوَاةُ أَحَدِ الخَبَرَيْنِ أَكْثَرَ مِنْ رُوَاةِ الخَبَرِ الآخَرِ فَيُقَدَّمُ الخَبَرُ الكَثِيرُ الرُّوَاةِ، لأَنَّ السَّهْوَ وَالغَلَطَ أَبْعَدُ عَنِ الجَمَاعَةِ، وَأَقْرَبُ إِلَى الوَاحِدِ».

[م] وهذا الوجه يتعلَّق بالترجيح باعتبار حال الراوي، وهو أن يكون راوي أحد الخبرين أحسن سياقًا للحديث، وأبلغ استقصاءً فيه من غيره؛ لأنَّ حسن السياق دليلٌ على اهتمام الراوي بما يرويه، الأمر الذي يجعله راجحًا على معارضه(1)، قال الحازمي: «لأنَّه يحتمل أن يكون الراوي الآخر -أي: غير المتقصي- سمع بعض القصّة فاعتقد أنَّ ما سمعه مستقلٌّ بالإفادة، ويكون مرتبطًا بحديثٍ آخر لا يكون هذا قد تنبَّه له»(2).
وقد مثَّل المصنِّف في: «إحكام الفصول» لهذا الترجيح بحديث جابر ابن عبد الله رضي الله عنهما قال: «أَقْبَلْنَا مُهِلِّينَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ بِحَجٍّ مُفْرَدٍ»(3)، وتقديمه على القِرَان في حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: «أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يُلَبِّي بِالحَجِّ وَالعُمْرَةِ جَمِيعًا»(4)؛ لأنَّ جابرًا تقصَّى صفةَ الحجِّ من ابتدائه إلى انتهائه، فدلَّ ذلك على اهتمامه وحفظه وضبطه وعمله بتفاصيل الحادث المنقول وأسبابه، ومن نقل لفظة واحدة من الحجِّ يجوز له أنه لم يعلم سببها(5)(6).
ومثال آخر لتقديم رواية الأحسن سياقًا ونسقًا في مسألة الأذان والإقامة في الجمع بين الصلاتين بمزدلفة فقد تعارض حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما الذي روى: «أنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أَتَى المُزْدَلِفَةَ فَصَلَّى بِهَا المَغْرِبَ وَالعِشَاءَ بِأَذَانٍ وَاحِدٍ وَإِقَامَتَيْنِ»(7)، مع حديث أسامة رضي الله عنهما: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ لَمَّا جَاءَ المُزْدَلِفَةَ نَزَلَ فَتَوَضَّأَ فَأَسْبَغَ، ثُمَّ أُقِيمَتِ الصَّلاَةُ فَصَلَّى المَغْرِبَ، ثُمَّ أَنَاخَ بَعِيرَهُ فِي مَنْزِلِهِ، ثُمَّ أُقِيمَتِ الصَّلاَةُ، فَصَلَّى، وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا»(8)، فإنه أثبت إقامتين فقط ولم يذكر الأذانَ، ويعارِضُهما حديثُ عبد الرحمن بن يزيد قال: «حَجَّ عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنه فَأَتَيْنَا المُزْدَلِفَةَ حِينَ الأَذَانِ بِالعَتَمَةِ أَوِْ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ، فَأَمَرَ رَجُلاً فَأَذَّنَ وَأَقَامَ، ثُمَّ صَلَّى المَغْرِبَ، وَصَلَّى بَعْدَهَا رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ دَعَا بِعَشَائِهِ فَتَعَشَّى، ثُمَّ أَمَرَ رَجُلاً فَأَذَّنَ وَأَقَامَ»(9)، فقد أثبت أذانين وإقامتين.
وقد دفع الجمهور وجه التعارض بترجيح حديث جابر بن عبدِ الله رضي الله عنهما على غيره؛ لأنَّ جابرًا كان أكثر الناس استقصاءً في روايته لحجِّ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأحسن نسقًا، فجاءت روايته منتظمة، وارتبط بعض ألفاظها ببعض، فقد استوفى حَجَّة النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم وأتقنها فهو أولى بالاعتماد(10)، وهذا بخلاف مذهب مالك -رحمه الله- حيث رجَّح حديث ابن مسعود رضي الله عنه على غيره لاشتماله على زيادة غير منافية فتعيَّن قَبولها، ولأنَّه قد روى عن عمر رضي الله عنه فعله لذلك قال بأنَّه يجمع بينهما بأذانين وإقامتين(11)، وقد جمع بعضهم بين هذه الروايات بالتخيير.
ولعلَّ أرجح الأقوال مذهب الجمهور لما اشتملت عليه رواية جابر ابن عبد الله رضي الله عنه من وفاء الألفاظ بالمعنى كما تضمَّنت رواية جابر زيادة الأذان وهي زيادة غير منافية فتعيَّن قَبولها، لذلك تُرجح على رواية أسامة رضي الله عنه، أمَّا رواية ابن مسعود رضي الله عنه فهي موقوفة عليه، وهي من رواية الكوفيِّين فلا يُصار إليها مع ما ثبت مرفوعًا من رواية أهل المدينة(12)، والنبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم لم يَحُجَّ إلاَّ مَرَّة واحدة لذلك لا يصار إلى التخيير بين الروايات، فضلاً عن عدم تكافئها.

[ في الترجيح بسلامة سند الخبر من الاضطراب ]

l قال الباجي -رحمه الله- في [ص 336]:
«وَالعَاشِرُ: أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الإِسْنَادَيْنِ سَالِمًا مِنَ الاِضْطِرَابِ وَالآخَرُ مُضْطَرِبًا، فَيَكُونُ السَّالِمُ أَوْلَى؛ لأَنَّ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلىَ اتِّفَاقِ رُوَّاتِهِ، وَحِفْظِ جُمْلَتِهِ».

• وقال المصنِّف -رحمه الله- في [ص 332]:
«وَالثَالِثُ: أَنْ يَكُوَن رُوَاةُ أَحَدِ الخَبَرَيْنِ أَكْثَرَ مِنْ رُوَاةِ الخَبَرِ الآخَرِ فَيُقَدَّمُ الخَبَرُ الكَثِيرُ الرُّوَاةِ، لأَنَّ السَّهْوَ وَالغَلَطَ أَبْعَدُ عَنِ الجَمَاعَةِ، وَأَقْرَبُ إِلَى الوَاحِدِ».

[م] وهذا وجهٌ من وجوه الترجيح باعتبار مجموعِ السَّنَد وهو الترجيح بسلامة السند من الاضطراب والاختلاف(13)، والحديث المضطرب هو ما رواه واحدٌ أو أكثر على أوجهٍ مختلفة متساوية بحيث لا يمكن الجمع بينها ولا التوفيق، ولم يعلم لأحدها مرجِّح، وقد يقع الاضطراب في السند كما يكون في المتن، وقد يقع فيهما(14)، وقد قدَّم الجمهور ما سَلِمَ سندُه من الاختلاف والاضطراب على ما اختُلف فيه واضطُرب، لما في المضطرب من تنافر الألفاظ واختلافها بالزيادة والنقصان، الأمر الذي لا تنتظم فيه الرواية ولا ترتبط ألفاظها بعضها ببعض.
وقد مثَّل له المصنِّف في «إحكام الفصول» بنفس مثال الترجيح السادس(15)، ويمكن إيراد مثال آخر في مسألة لحوم الحُمُر الأهلية، فقد ثبت من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: «نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ عَنْ لُحُومِ الحُمُرِ الأَهْلِيَةِ يَوْمَ خَيْبَرَ»(16)، والذي يفيد تحريم أكل لحوم الحمر الإنسية، ويعارضه حديث غَالِبِ بن أَبْجَرَ قال: «أصَابَتْنَا سَنَةٌ فَلَمْ يَكُنْ فِي مَالِي شَيْءٌ أُطْعِمُ أَهْلِي إِلاَّ شَيْءٌ مِنْ حُمُرٍ، وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ حَرَّمَ لُحُومَ الحُمُرُ الأَهْلِيَةِ، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَصَابَتْنَا السَّنَةُ، وَلَمْ يَكُنْ فِي مَالِي مَا أُطْعِمُ أَهْلِي إِلاَّ سِمَانُ الحُمُرِ، وَإِنَّكَ حَرَّمْتَ لُحُومَ الحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ، فَقَالَ: أَطْعِمْ أَهْلَكَ مِنْ سَمِينِ حُمُرِكَ، فَإِنَّمَا حَرَّمْتُهَا مِنْ أَجْلِ جَوَّالِ القَرْيَةِ»(17)، والحديث يفيد جواز أكل لحوم الحمر الإنسية.
وقد ذهب جماهير العلماء من الصحابة والتابعين ومَن بعدهم إلى العمل بأحاديث النهي لصِحَّتها، وكثرة رواتها، وسلامتها من الاضطراب، بينما حديث غالب بن أَبْجَرَ ضعيف لاضطرابه والاختلاف في سنده، قال البيهقي: «هذا حديث مختلف في إسناده»(18)، وقال الخطابي(19): «حديث ابن أَبْجَرَ اختلف في إسناده»(20)، وقال النووي: «هذا الحديث مضطرب مختلف الإسناد شديد الاختلاف لو صحَّ حمل على الأكل منها في حال الاضطرار»(21)، وقال-أيضًا-: «واتفق الحفاظ على تضعيفه»(22)، وقال ابن حجر: «إسناده ضعيف، ومتنه شاذٌّ مخالف للأحاديث الصحيحة بالاعتماد عليها»(23)، فكان الأخذ بما ضبط وحفظ أولى.

[ في الترجيح بموافقة القرآن لأحد الخبرين ]

l قال الباجي -رحمه الله- في [ص 336]:
«وَالحَادِي عَشَرَ: أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الحَدِيثَيْنِ يُوَافِقُ ظَاهِرَ الكِتَابِ وَالآخَرُ يُخَالِفُهُ، فَيَكُونُ المُوَافِقُ لِظَاهِرِ الكِتَابِ أَوْلَى».
• وقال المصنِّف -رحمه الله- في [ص 332]:
«وَالثَالِثُ: أَنْ يَكُوَن رُوَاةُ أَحَدِ الخَبَرَيْنِ أَكْثَرَ مِنْ رُوَاةِ الخَبَرِ الآخَرِ فَيُقَدَّمُ الخَبَرُ الكَثِيرُ الرُّوَاةِ، لأَنَّ السَّهْوَ وَالغَلَطَ أَبْعَدُ عَنِ الجَمَاعَةِ، وَأَقْرَبُ إِلَى الوَاحِدِ».

[م] وهذا من وجوه الترجيح بأمرٍ خارجيٍّ وهو: أن يوافقَ أحدُ الخبرين دليلاً آخر، واكتفى المصنِّف بذكر موافقة ظاهرِ الكتاب له، وإن تقدَّم في الوجه الثامن ترجيح خبر ما يوافقه عملُ أهلِ المدينةِ، وإلى هذا الوجه من الترجيح بأمرٍ خارجيٍّ بما يوافق فيه الحديث دليلاً آخر على معارضه ذهب جمهور العلماء(24) خلافًا لأبي حنيفة وأبي يوسف فلا يرجّح بالدليل الخارجي، وإنَّما تتساقط الأدلة عند تعذُّر وجود ما يرجّح به أحد الدليلين ويترك العمل بها، بمعنى أنه لا يرجّح بكثرة الأدلة في أحد الجانبين المتعارضين(25)، ومذهب الجمهور أقوى؛ لأنَّ الظنَّ الحاصلَ من دليلين أقوى من الظنِّ الحاصلِ من دليلٍ واحدٍ، فيعمل بالأقوى لكونه أقرب إلى القطع؛ ولأنَّ الغرض من الترجيح حصول قوّة في الظنِّ بمضمون أحد الدليلين المتعارضين، ولمَّا كان المرجح به يصحُّ أن يكون وصفًا زائدًا في الدليل الراجح أو دليلاً مستقلاًّ، تحقَّقت القُوَّة في الدليل الذي وافقه دليلٌ آخر، فوجب ترجيحُه على معارضه وهو معنى الترجيح بكثرة الأدلة.
ومثاله: مسألة الاستعانةِ بكافرٍ لقتال كافرٍ، فقد ثبت من حديث عائشة رضي الله عنها أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم قال لرجلٍ مُشرك يريد أن يصيب معه: «تُؤْمِنُ بِاللهِ وَرَسُولِهِ؟ قَالَ: لاَ، قَالَ: فَارْجِعْ فَلَنْ أَسْتَعِينَ بِمُشْرِكٍ»(26)، والذي يدلُّ على أنه لا يجوز للإمام الاستعانة في الغزو بالكافر، ويعارضه حديث ابن عباس رضي الله عنهما: «أنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ اسْتَعَانَ بِيَهُودِ بَنِي قَيْنُقَاعٍ فَرَضَخَ لَهُمْ وَلَمْ يُسْهِمْ لَهُمْ»(27)، وروي: «أنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ اسْتَعَانَ فِي غَزْوَةِ حُنَيْنٍ سَنَةَ ثَمَانِ بِصَفْوَانَ ابنِ أُمَيَّةَ وَهُوَ مُشْرِكٌ»(28)، فإنه يدلُّ على جواز استعانة الإمام في الغزو بالكافر.
وقد ذهبت جماعةٌ من أهل العلم إلى عدم جواز استعانة المسلمين بالكفار في قتال الكفار(29)، ترجيحًا لحديث عائشة رضي الله عنها على حديث ابن عباس رضي الله عنهما؛ لأنَّ ظاهر القرآن الكريم يؤيِّده في قوله تعالى: ﴿وَلَن يَجْعَلَ اللهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً﴾ [النساء: 141]، وقد ذهبت الأحناف، والهادوية إلى العمل بالنسخ لدفع التعارض، ورأوا أنَّ حديث ابن عباس رضي الله عنهما ناسخ لحديث عائشة رضي الله عنها لذلك أجازوا الاستعانة بالمشركين في القتال(30)، ويؤيِّدون ذلك بقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «سَتُصَالِحُونَ الرُّومَ صُلْحًا آمِنًا وَتُغْزُونَ، أَنْتُمْ وَهُمْ، عَدُوًّا مِنْ وَرَائِكُمْ»(31)، ويُقوِّي ذلك أنَّ خزاعة خرجت مع رسولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم على قريش عامَ الفتح، وفسَّروا «السبيل» باليد، أي: أن تكون اليد -وهو كناية عن الظهور والغلبة والتسليط- للإمام الذي يستعين بالكافر(32).
والظاهرُ من الأدلة عدم جواز الاستعانة بمن كان مُشركًا مُطلقًا لحديث عائشة رضي الله عنها وموافقته لظاهر القرآن، ويؤيِّده ما رواه خبيب بن عبد الرحمن عن أبيه عن جدِّه، قال: « أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -وَهُوَ يُرِيدُ غَزْوًا- أَنَا وَرَجُلٌ مِنْ قَوْمِي وَلَمْ نُسْلِمْ، فَقُلْنَا: إِنَّا نَسْتَحِي أَنْ يَشْهَدَ قَوْمُنَا مَشْهَدًا لاَ نَشْهَدُهُ مَعَهُمْ، فَقَالَ: أَأَسْلَمْتُمَا ؟ فَقَالَ: لاَ، فَقَالَ: إِنَّا لاَ نَسْتَعِينُ بِالمُشْرِكِينَ عَلىَ المُشْرِكِينَ فَأَسْلَمْنَا وَشَهِدْنَا مَعَهُ»(33)، وقد أخرج الشيخان عن البراء رضي الله عنه قال: «جَاءَ رَجُلٌ مُقَنَّعٌ بِالحَدِيدِ فَقَالَ: يَا رَسُول اللهِ أُقَاتِلُ أَوْ أُسْلِمُ ؟ فَقَالَ: أَسْلِمْ ثُمَّ قَاتِلْ، فَأَسْلَمَ ثُمَّ قَاتَلَ فَقُتِلَ، فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: عَمِلَ قَلِيلاً وَأُجِرَ كَثِيرًا»(34)؛ ولأنَّ حديث عائشة رضي الله عنها ثبتت صِحَّته، وما يعارضه فدونه في الصِّحة والثبوت فتعذَّر ادِّعاء النَّسخ(35).
أمَّا الأدلة الأخرى فقابلة للتأويل، فهي إمَّا محمولة على خروج المشرك طوعًا من غير إذن، أو لإظهاره الإسلام أو يحمل على الحاجة أو شدَّة الضرورة(36).

بـاب
ترجيحات الـمتـون

تنقسم وجوهُ الترجيح باعتبار متن الحديث إلى ما يتعلَّق بلفظ الحديث أوّلاً، وما يتعلَّق بدلالة الحديث ثانيًا، وما يتعلَّق بمدلول الحديث ثالثًا.

• وقال المصنِّف -رحمه الله- في [ص 332]:
«وَالثَالِثُ: أَنْ يَكُوَن رُوَاةُ أَحَدِ الخَبَرَيْنِ أَكْثَرَ مِنْ رُوَاةِ الخَبَرِ الآخَرِ فَيُقَدَّمُ الخَبَرُ الكَثِيرُ الرُّوَاةِ، لأَنَّ السَّهْوَ وَالغَلَطَ أَبْعَدُ عَنِ الجَمَاعَةِ، وَأَقْرَبُ إِلَى الوَاحِدِ».

1- انظر المصادر الأصولية المثبتة على هامش «الإشارة» (336).
2- «الاعتبار» للحازمي (67).
3- أخرجه مسلم في «الحج» (8/158) باب وجوه الإحرام، وأبو داود في «المناسك» (2/384) باب في إفراد الحجّ، والنسائي في «الحج» (5/164) باب في المهلة بالعمرة من حديث جابر ابن عبد الله رضي الله عنهما.
غير أنَّ صفة الإفراد المعروفة اليوم بأن يحرم بالحجّ ثمّ يفرغ منه، ثمّ يخرج إلى أدنى حلٍّ فيحرم منه بالعمرة، فهذا الإفراد لم يفعله صلى الله عليه وآله وسلم ولا أحد من الصحابة الذين حَجُّوا معه، بل ولا غيرهم كما نصَّ عليه شيخ الإسلام ابن تيمية في «مجموع الفتاوى» (26/86).
4- أخرجه مسلم في «الحج» (8/216) باب الإفراد والقران وأبو داود في «المناسك» (2/391) باب الإقران، والترمذي في «الحجِّ» (3/184)، باب الجمع بين الحجّ والعمرة، والنسائي في «الحج» (5/150) باب القران وابن ماجه في «المناسك» (2/989) باب من قرن الحجّ والعمرة من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.
5- «إحكام الفصول» (742)، «المنهاج» كلاهما للباجي (227). [انظر: «الاعتبار» للحازمي (67)].
6- وفي مسألة أفضلية أنواع الحجّ، فإنه إذا أفرد الحج بسفرة، والعمرة بسفرة فهو أفضل من القران والتمتّع الخاصّ بسفرة واحدة، قال ابن تيمية: «وهذا هو الإفراد الذي فعله أبو بكر، وعمر، وكان يختاره للناس، وكذلك علي رضي الله عنه» [«مجموع الفتاوى» لابن تيمية (26/85)]، أمَّا إن أراد أن يجمع بين النسكين (الحج والعمرة) بسفرة واحدة، وقَدِم إلى مكة في أشهر الحجّ ولم يسق الهدي فالتمتّع أفضل له؛ لأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم أمر أصحابه الذين حَجُّوا معه أن يفسخوا الحجّ إلى عمرة، ويتحلَّلوا فنقلهم من الإفراد إلى التمتّع ولا ينقلهم إلاَّ إلى الأفضل؛ لأنَّهم أفضل الأُمَّة بعده، أمَّا إذا أراد أن يجمع بين النسكين بسفرة واحدة، ويسوق الهدي فالقران أفضل؛ لأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم ساق الهديَ وقَرَنَ، وفِعْلُ الأفضل اقتداءٌ به صلى الله عليه وآله وسلم؛ لأنَّ اللهَ اختار له الأفضل، وهذا التفصيل من شيخ الإسلام ابن تيمية يزيل الاضطراب الحاصل بين الفقهاء، وفيه تجتمع كلُّ الأدلة، فقدَّم أفضل النسك باعتبار المشقّة والصعوبة، ثمَّ بحسب سَوْق الهدي من عدمه، فلكلِّ واحدٍ أفضليته في موضعه ومناسبته. [المصدر السابق الجزء نفسه/86].
7- أخرجه مسلم في «الحج» (8/170) باب حَجَّة النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم، وأبو داود في «المناسك» (2/455) باب صفة حَجَّة النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم، والنسائي في «الأذان» (2/16)، باب الأذان لمن جمع بين الصلاتين بعد ذهاب وقت الأولى منها، وابن ماجه في «المناسك» (2/1022)، باب حجّة رسول اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.
8- أخرجه البخاري في «الحج» (3/523) باب الجمع بين الصلاتين بالمزدلفة من حديث أسامة ابن زيد رضي الله عنهما.
9- أخرجه البخاري في «الحج» (3/524)، باب من أذَّن وأقام لكلِّ واحدة منهما، موقوفًا عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
10- انظر: «المحلى» لابن حزم (7/126)، «المغني» لابن قدامة (3/419)، «المجموع» للنووي (3/86).
11- «شرح مسلم» للنووي (8/188)، «فتح الباري» لابن حجر (3/525)، «المغني» لابن قدامة (3/419).
12- «فتح الباري» لابن حجر (3/525).
13- انظر المصادر الأصولية المثبتة على هامش «الإشارة» للباجي (336).
14- انظر: حقيقة المضطرب أنواعه وحكمه في «توضيح الأفكار» للصنعاني (2/34).
15- انظر (ص 464)، وفي «إحكام الفصول» (743)، «المنهاج» كلاهما للباجي (227).
16- أخرجه البخاري في «الذبائح والصيد» (9/653) باب لحوم الحمر الإنسية، ومسلم في «الصيد والذبائح» (13/91)، باب تحريم أكل لحوم الحمر الإنسية من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.
17- أخرجه أبو داود في «الأطعمة» (4/163) باب في أكل لحوم الحمر الأهلية، والبيهقي في «السنن الكبرى» في «الضحايا» (9/332) باب ما جاء في أكل لحوم الحمر الأهلية والطحاوي في «شرح معاني الآثار» (4/203) من حديث غالب بن أبجر رضي الله عنه. والحديث ضعَّفه ابن حجر في «الفتح» (9/656) والألباني في «ضعيف سنن أبي داود» (305) رقم (3809).
18- «السنن الكبرى» للبيهقي (9/332).
19- هو أبو سليمان حمد بن محمَّد بن إبراهيم بن خطاب الخطابي البستي الشافعي، كان إمامًا في الفقه والحديث، أديبًا محقِّقًا، له تصانيف مفيدة منها: «معالم السنن»، و«غريب الحديث»، و«إصلاح غلط المحدثين»، توفي سنة (388ه).
انظر ترجمته في: «معجم الأدباء» لياقوت (4/246)، «وفيات الأعيان» لابن خلكان (2/214)، «اللباب» لابن الأثير (1/452)، «البداية والنهاية» لابن كثير (11/236)، «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (1/156)، «سير أعلام النبلاء» للذهبي (17/23)، «طبقات الإسنوي» (1/223)، «بغية الوعاة» للسيوطي (239)، «طبقات الحفاظ» للسيوطي (404)، «شذرات الذهب» لابن العماد (3/127)، «الرسالة المستطرفة» للكتاني (44).
20- «معالم السنن» للخطابي (4/162).
21- «شرح على صحيح مسلم» للنووي (13/92).
22- «المجموع» للنووي (9/6).
23- «فتح الباري» لابن حجر (9/656).
24- انظر المصادر الأصولية المثبتة على هامش «الإشارة» (336-337)، وجوه الترجيح بأمر خارجيٍّ لا علاقة لها بالسند ولا بالمتن وإنما هي خارجة عنها، ولها أثر في ترجيح أحد الدَّليلين عند التعارض، ومن وجوه الترجيح بأمرٍ خارجيٍّ موافقةُ أحدِ النصَّيْنِ دليلاً آخر: من كتابٍ أو سُنَّة أو إجماعٍ أو قياسٍ، أو يكون أحد النَّصين قد عمل به أكثر الأُمَّة من السلف أو أكثر الصحابة أو الخلفاء أو أهل المدينة أو راوي الحديث أو اقترنت به أمارات التأخّر. [انظر: «العدة» لأبي يعلى (3/1046)، «المنخول» للغزالي (431)، «التمهيد» للكلوذاني (3/217)، «المستصفى» للغزالي (2/396)، «المحصول» للرازي (2/2/534، 591)، «الإبهاج» للسبكي (3/216)، «إرشاد الفحول» للشوكاني (280)].
25- شهدت فروع الأحناف بعدم التزامهم بترك الترجيح بكثرة الأدلّة، بل صرَّح بعضُ الحنفية بأنَّه يرجَّح أحدُ الدليلين المتعارضين إذا وافقه القياسُ. [«كشف الأسرار» للبخاري (4/80)].
انظر: مذهب الأحناف في هذه المسألة في «فتح الغفار» لابن نجيم (3/53)، «كشف الأسرار» للبخاري (4/78، 89)، «تيسير التحرير» لباداشاه (3/154، 169)، «فواتح الرحموت» للأنصاري (2/204، 210، 328).
26- أخرجه مسلم في «الجهاد والسير» (12/198)، باب كراهة الاستعانة في الغزو بالكافر، وأبو داود في «الجهاد» (3/172)، باب في المشرك يسهم له، والترمذي في «السير» (4/127)، باب ما جاء في أهل الذِّمَّة يغزون مع المسلمين، وابن ماجه في «الجهاد» (2/945)، باب الاستعانة بالمشركين من حديث عائشة رضي الله عنها.
27- أخرجه البيهقي في «السير» (9/53) باب الرضخ لمن يستعان به من أهل الذِّمَّة من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال البيهقي: «تفرَّد بهذا الحسن بن عمارة وهو متروك، ولم يبلغنا في هذا حديث صحيح».
28- قال البيهقي في «السنن الكبرى» (9/37): «وشهود صفوان بن أمية معه حُنَيْنًا، وصفوان مشرك فإنَّه معروف فيما بين أهل المغازي». [انظر: «التلخيص الحبير» لابن حجر (3/110، 4/100)، و«الاعتبار» للحازمي (503)].
29- انظر: «المغني» لابن قدامة (8/414)، «المحلى» لابن حزم (11/113)، «شرح مسلم» للنووي (12/189)، «سبل السلام» للصنعاني (4/97)، «نيل الأوطار» للشوكاني (9/120).
30- قال ابن حجر في «التلخيص الحبير» (4/100): «الاستعانة كانت ممنوعة، ثمَّ رخّص فيها، وهذا أقربها، وعليه نصَّ الشافعي».
31- أخرجه أبو داود في «الجهاد» (3/210) باب في صلح العدو، وابن ماجه في «الفتن» (2/1369) باب الملاحم من حديث ذي مِخْبر رضي الله عنه، والحديث صحَّحه الألباني في «صحيح سنن أبي داود» (2/177) برقم: (2767).
32- انظر: «نيل الأوطار» للشوكاني (9/120).
33- أخرجه أحمد (3/454)، والحاكم في «المستدرك» في «الجهاد» (2/121-122)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (9/37) والطحاوي في «المشكل» (3/239)، وصحَّحه الألباني في «السلسلة الصحيحة» (3/92) برقم: (1101).
34- أخرجه البخاري في «الجهاد» (6/24) باب عمل صالح قبل القتال، ومسلم في «الإمارة» برقم (5023) باب كثرة الأجر على القتال، وأحمد في «مسنده» (4/291) من حديث البراء ابن عازب رضي الله عنه.
35- «الاعتبار» للحازمي (502).
36- قال ابن حزم في «المحلى» (11/113): «ما دام في أهل العدل منعة فإن أشفوا على الهلكة واضطروا ولم يكن لهم حيلة فلا بأس بأن يلجئوا إلى أهل الحرب وأن يمتنعوا بأهل الذِّمة ما أيقنوا أنهم في استنصارهم لا يؤذون مسلمًا ولا ذمِّيًّا في دم أو مال أو حرمة ممَّا لا يحل، برهان ذلك قوله تعالى: ﴿وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ﴾ وهذا عموم لكلِّ من اضطرّ إليه إلاَّ ما منع منه نصّ أو إجماع».
قال النووي في «شرح مسلم» (12/199): «قال الشافعي وآخرون: إن كان الكافر حسن الرَّأي في المسلمين ودعت الحاجة إلى الاستعانة به استعين به وإلاَّ فيكره، وحمل الحديثين على هذين الحالين».
 

رد مع اقتباس
إنشاء موضوع جديد إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
لا يوجد


تعليمات المشاركة
تستطيع إضافة مواضيع جديدة
تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 08:45 PM
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
vEhdaa 1.1 by NLP ©2009

RSS RSS 2.0 XML MAP HTML