منتديات الإسلام والسنة  

العودة   منتديات الإسلام والسنة > المنتديات الشرعية > منتدى الفقه وأصوله


إنشاء موضوع جديد إضافة رد
 
أدوات الموضوع تقييم الموضوع انواع عرض الموضوع
رقم المشاركة : ( 1 )  أعطي محمد الفاريابي مخالفة
محمد الفاريابي غير متواجد حالياً
 
محمد الفاريابي
عضو مميز
الأوسمـة
بيانات الإتصال
آخر المواضيع
 
رقم العضوية : 59
تاريخ التسجيل : Nov 2010
مكان الإقامة :
عدد المشاركات : 163 [+]
آخر تواجد : [+]
عدد النقاط : 10

افتراضي ما هي الأموال التي يجب فيها الزكاة - مَن هم أصحاب مصارف الزكاة

كُتب : [ 09-21-2011 - 11:47 PM ]

الشيخ محمد صالح العثيمين رحمه الله

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مُضلَّ له، ومَن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أرسله الله تعالى بالهدى ودين الحق، فبلّغ الرسالة، وأدّى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
أما بعد:
أيها الناس، فاتَّقوا الله تعالى، اتَّقوا الله الذي أمدّكم بِما تعلمون، أمدَّكم بأنعام وبنين وجنات وعيون، أمدَّكم بالعافية، أمدَّكم بالعقل، أمدَّكم بوفرة الأموال، أمدَّكم بالأمن التام ولله الحمد، اتَّقوا الله - عزَّ وجل - الذي مَنَّ عليكم بهذه النِّعم، واذكروا حين خرجتم ﴿مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [النحل: 78]، اذكروا نعمة الله حين أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تملكون شيئًا، أخرجكم عراة فيسَّر لكم اللباس، أخرجكم جياعًا فيسَّر لكم الطعام، احمدوا الله عزَّ وجل، احمدوا الذي أعطاكم هذه الأموال حتى تتصرّفوا فيها كما يشاء الله - عزَّ وجل - وكما شرعه لكم .
واعلموا - أيها الإخوة - أن هذه الأموال إما أن تكون منحةً وإما أن تكون محنة، فمَن أخذها بحقها وأدّى حقها فهي منحة ونعمة، ومَن لم يأخذها بحقها أو أخذها بحقها ولكنه منع حقها فإنها تكون محنة وعذابًا .
أيها الإخوة، إن من أهم حقوق المال الزكاةُ التي فرضها الله تعالى على عباده، وجعلها أحد أركان الإسلام ومبانيه العِظام، وهي الثالثة من أركان الإسلام، وهي قرينة الصلاة في كتاب الله عزَّ وجل، هذه الزكاة جزء يسير يبذلها الإنسان من ماله لِمَن يحتاجون إليها أو يحتاج الإسلام إليهم، هذه الزكاة ليست نصف المال وليست كل المال ولكنها جزء يسير من المال، وليست أيضًا في كل مال ولكنها في أموال مخصوصة معيَّنة وهي التي يكون بها النماء غالبًا .
ولقد جاء في فضلها ما يرغّب الإنسان العاقل في بذلها، وجاء في منعها ما يخوّف الإنسان العاقل من منعها، لقد جاء الوعيد الشديد في كتاب الله وفي سنَّة رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - لِمَن منعها، استمعوا إلى قول الله تعالى: ﴿وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ [آل عمران: 180].
أيها الإخوة، تأمَّلوا قول ربكم: ﴿يَبْخَلُونَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾ فهو الذي أتاهم من فضله، وهو المعطي عزَّ وجل، لم يأخذوا هذا بكسبهم وشطارتهم، وكم من إنسان مكتسب محترف شاطر أصبح فقيرًا ليس يملك شيئًا ولكن الذي يَمُنُّ بالمال وييسِّره هو الله عزَّ وجل .
واستمعوا إلى الآية الثانية وهي قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34) يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ﴾ [التوبة: 34-35] .
استمع إلى قوله: ﴿هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ﴾ حيث يوبَّخون على منع ما أوجب الله عليهم في أموالهم، فيعذّبون عذابًا بدنيًّا بالكيِّ بالنار، ويعذّبون عذابًا قلبيًّا بالتَّندِيم والتوبيخ .
أما السنّة فاستمع إلى قول النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - وهو كالتفسير للآية الأولى، قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «مَن آتاه الله مالاً فلم يؤدِّ زكاته مُثِّلَ له شجاعًا أقرع؛ أي: جُعل له يوم القيامة شجاعًا أقرع»، قال العلماء: الشجاع هو: الحيَّة العظيمة والأقرع هو: الخالي رأسه من الشعر لكثرة سُمِّه .
يقول عليه الصلاة والسلام: «مُثِّلَ له شجاعًا أقرع له زبيبتان- والزبيبتان هما: غدَّتان مملوءتان من السم - يطوَّقه يوم القيامة - يجعل طوقًا في عنقه - يأخذ بلهْزمَّتيه- يعني: شِدْقيه - يقول: أنا مالك، أنا كنزك» أخرجه البخاري في صحيحه .
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما هو كالتفسير للآية الثانية: «ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقّها إلا إذا كان يوم القيامة صفِّحت له صفائح من نار فأُحمي عليها في نار جهنم فيكْوي بها جنْبه وجبينه وظهره، كلّما بردت أُعيدت في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يُقضى بين العباد» أخرجه مسلم في صحيحه، وحقُّ المال هو الزكاة .
أيها الإخوة، انتبهوا لهذا الحديث؛ حيث قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «إنها تصفَّح صفائح من نار ويُحمى عليها في نار جهنم، إنه لا يُحمى عليها في نار كنار الدنيا وإنما يُحمى عليها في نار أعظم من نار الدنيا كلّها، فضِّلت عليها بتسعة وستين جزءًا».
أيها المسلمون، وإنه إذا أُحمي عليها في هذه النار لا يُكوى بها طرف من الجسم متطرّف وإنما يُكوى بها الجسم من كل جانب، يُكوى بها الجسم من كل ناحية: الجِباه من الأمام، والجنوب من الجوانب، والظهور من الخلف .
أيها المسلمون، وإنه إذا كُوي بها الجسم لا تُترك حتى تبرد وتزول حرارتها ولكنها كلَّما بردت أُعيدت فأُحميت .
أيها المسلمون، إن هذا العذاب ليس في يوم أو شهر أو سنة ولكنه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة .
أيها المسلمون، إن هذا العذاب ليس في حجرة ولا في فلاة لا يشهده أحد ولكنه في يوم القيامة، اليوم المشهود الذي تشهده الخلائق كلّها .
فيا عباد الله، يا مَن آمنوا بالله ورسوله، يا مَن صدّقوا بكتاب الله، يا مَن صدّقوا بسنَّة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، أدّوا ما أوجب الله عليكم من الزكاة، ما فائدة الأموال إذا منعتم حق الله فيها ؟
واعلم - أيها البخيل - أنك إذا بخلت فإنما تبخل عن نفسك؛ إنك إذا بخلت فسوف توفّر المال لِمَن بعدك يكون لهم غنمه وعليك غرمه، ولقد قال ابن القيم رحمه الله، قال كلمة جيّدة ليست بعيدة من الصواب، قال: إن الرجل إذا منع الزكاة فإنه لا تبرأ ذمته بأدائها بعد موته من ورثته؛ يعني: لو بخلت بالزكاة ثم مُتَّ فإن ورثتك إذا أدّوها عنك لا تبرأ بها ذمتك ولا تنجو من عذاب الله عليها .
أيها المسلمون، لئن سألتم: ما هي الأموال التي تجب فيها الزكاة ؟
فإن الجواب: هذا معلوم في كتاب الله وسنَّة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فأول الأموال وأهمها: الذهب والفضة ﴿وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ﴾ [التوبة: 34]، قال العلماء: كنزُها منعُ الواجب فيها وليس دفنها في الأرض؛ إن الإنسان إذا دفنها في الأرض وهو يؤدي ما أوجب الله فيها فليس بكانز، وإذا جعلها على ظهور الجبال وهو مانع حق الله فيها فهو كانز .
إذنْ: يكنزون الذهب والفضة؛ أي: يمنعون ما أوجب الله فيها وأوجبُ ما أوجب الله فيها هي الزكاة، فالزكاةُ واجبة في الذهب والفضة على أي حال كانت سواء كانت دنانير؛ أي: جنيهات، أو دراهم؛ أي: ريالات، أو قطعًا من الذهب والفضة، أم حليًّا من الذهب والفضة سواء كان هذا الحلي للبس، أو للبيع أو للتأجير، فالذهب والفضة جاءت نصوص الكتاب والسنَّة بوجوب الزكاة فيهما عمومًا بدون تفصيل، وجاءت نصوص من السنَّة خاصة في إيجاب الزكاة في الحلي .
فعن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - أن امرأة أتت النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - ومعها ابنة لها وفي يد ابنتها مَسَكَتان غليظتان من ذهب - المسكتان هما: السِّواران - فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «أَتُعْطِين زكاة هذا ؟» قالت: لا، قال: «أَيَسُرُّك أن يسوِّرك الله بهما يوم القيامة سِوارين من نار ؟» فخلعتهما فألقتهما إلى النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - وقالت: هما لله ورسوله، قال الحافظ بن حجر في «بلوغ المرام»: رواه الثلاثة وإسناده قوي، وصحَّحه شيخنا الشيخ عبد العزيز بن باز وفَّقه الله .
وإذا كان هذا ما جاءت به السنَّة فلا قول لأحد بعد قول رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
فالنجا النجا، النجا النجا أيها الإخوة المسلمون، لا تتَّبعوا الرخص؛ فإنكم محاسبون يوم القيامة على ما بلغكم من كتاب الله وسنَّة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ﴿وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ﴾ [القصص: 65]، لا يقال لهم: ماذا أجبتم الإمام فلانًا أو الإمام فلانًا أو العالِم فلانًا ؟ يقال: ماذا أجبتم المرسلين ؟ فمَن بلغته سنَّة رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - فلا عدول عنها لقول أحد من الناس كائن مَن كان، حتى قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: «يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء، أقول: قال رسول الله وتقولون قال أبو بكر وعمر»، ومَن الناس بعد أبي بكر وعمر ؟ هل أحد يساوي أبا بكر وعمر في التوفيق للصواب ؟ ومع ذلك قال ابن عباس: «إنكم إذا خالفتم قول الرسول لقول أبي بكر وعمر فإنه يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء» .
ولكن هل تجب الزكاة في الذهب والفضة سواء كانت قليلة أو كثيرة ؟
إن الجواب على هذا: أن الزكاة من شرط وجوبها أن تبلغ النصاب، ونصاب الفضة وزن ستة وخمسين ريالاً سعوديًّا من الفضة فما دون ذلك فإنه لا زكاة فيه، ونصاب الذهب عشرون مثقالاً ويساوي خمسة وثمانين جرامًا فما دون ذلك فإنه لا زكاة فيه، وإذا كان عند الإنسان نصف نصاب من الذهب ونصف نصاب من الفضة فإنه لا زكاة عليه؛ لأن كل واحدٍ منهما لم يبلغ النصاب، ولا يُضم أحدهما إلى الآخر كما لا يُضمّ البر إلى الشعير في تكميل النصاب .
ولكن إذا كان عند الإنسان بنات وعلى كل واحدة منهنَّ حليٌّ لا يبلغ النصاب فإنه لا يلزمه أن يضم بعضه إلى بعض؛ لأن كل واحدة منهنّ منفردة بملْكها وملْكها لا يبلغ النصاب، أما إذا كان قد جعل هذا الحلي عاريَّة لبناته يلبسنَه دون تمليك فإن الذهب يكون ملْكًا له وحينئذٍ يضم بعضه إلى بعض في تكميل النصاب .
هذا أحد الأصناف التي تجب فيها الزكاة .
وتجب الزكاة أيضًا في عروض التجارة وهي: ما أَعَدَّه الإنسان للتكسّب والربح من أي نوع من المال، من أي جنس كان، سواء كان من العقارات، أو من المواشي، أو من الحبوب، أو من الثياب، أو من الأواني، أو من السيارات أو غير ذلك، كلُّ ما أَعَدَّه الإنسان للربح فإنه عروض تجارة يجب عليه أن يؤدّي زكاته .
وأما ما أَعَدَّه الإنسان للبيع دون الربح فإنه لا زكاة فيه، مثال ذلك: رجل اشترى أرضًا ليبني عليها ثم عدل عن ذلك وبقيت الأرض معروضة للبيع فإنه لا زكاة فيها؛ لأنه لم يتّخذها للتجارة ولكن طابت نفسه منها وأراد أن يبيعها، وكذلك مَن مُنح أرضًا وبقيت عنده يعرضها للبيع فإنه لا زكاة فيها؛ لأنها ليست للتجارة، وكذلك لو كان عنده سيارة وطابت نفسه منها وجعلها في المعرض فإنه لا زكاة فيها؛ لأنها ليست للتجارة .
والقاعدة في هذا: أنّ ما أعدَّه الإنسان للربح فإنه تجب زكاته ويكون عروض تجارة وما ليس كذلك فإنه ليس عروض تجارة، ولكنْ ليكن لديكم معلومًا أن الذهب والفضة تجب فيهما الزكاة على كل حال وكذلك ما يكون عند الإنسان من النقود الورقيَّة فإن الزكاة فيها واجبة حتى لو كان الإنسان أعدَّها للنفقة، أو أعدَّها لزواج، أو أعدَّها لشراء بيت، أو أعدَّها لشراء سيارة .
وقد فهم بعض الناس أن الإنسان قد جمع مالاً يتزوّج به فإنه لا زكاة عليه فيه وهذا غير صحيح بل إذا كان عند الإنسان نقودٌ من الذهب أو الفضة أو الورق النقدي فإن الزكاة فيه واجبة .
ولئن سألتم: ما الواجب في الذهب والفضة وعروض التجارة ؟
فالجواب: أن الواجب فيهن ربع العشر؛ أي: واحد في الأربعين أو اثنان ونصف في المائة .
هذه هي الزكاة الواجبة في الذهب والفضة وعروض التجارة .
أيها الإخوة، وإن من شروط وجوب الزكاة: أن يتم الحولُ على المال فإن لم يتم عليه الحول فإنه لا زكاة فيه، مثال ذلك: لو كان عند الإنسان مال كثير ثم تلفَ هذا المال قبل أن يتم الحول فإنه لا زكاة عليه، ومثال آخر: لو كان عند الإنسان مال كثير ومات قبل أن يتم الحول بيوم أو يومين فإنه لا زكاة على هذا الميت، ولكن الزكاة على الورثة إذا تَمَّت السنَة، أما عروض التجارة فإن عروض التجارة ينبني بعضها على بعض، فلو كان الإنسان يبيع ويشتري ولم يشترِ السلعة إلا قبل تمام حول ماله بشهر فإنه يزكِّيها مع ماله؛ لأن عروض التجارة يتبادل بعضها ببعض ولا حاجة إلى تمام الحول فيها، وكذلك الربح ليس يشترط فيه أن يتم الحول، فلو اشترى الإنسان أرضًا بعشرة آلاف ثم قبل تمامه صارت تساوي عشرين ألفًا فإن الواجب عليه أن يزكِّي عشرين ألفًا؛ لأن الربح تبعٌ للأصل .
ولقد كان يُشكل على بعض الناس الذين لهم رواتب يستلمونها شيئًا فشيئًا كيف يؤدّون زكاتها؛ لأن متابعة الشهور قد تكون شاقَّة على الإنسان ولكن لهذا حلٌّ يسير وهو: أن الإنسان يجعل له شهرًا معيَّنًا يؤدّي فيه زكاته، فيؤدّي في هذا الشهر زكاة جميع ما عنده ولو لم يتم له حول، وتكون زكاة ما لم يتم حوله زكاة معجَّلة وتعجيل الزكاة جائز لا سيما عند الحاجة إليه كما في هذه المسألة .
أما ما يكون من أواني البيت وفُرُش البيت وحوائج البيت فإن ذلك ليس فيه زكاة لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «ليس على الرجل المسلم في عبده ولا فرسه صدقة» .
اللهم إنَّا نسألك أن ترينا الحق حقًّا وترزقنا اتّباعه، اللهم أرنا الحق حقًّا وارزقنا اتّباعه، اللهم علّمنا ما ينفعنا وانفعنا بِما علَّمتنا، اللهم قِنَا شحّ أنفسنا وأعذنا من البخل يا رب العالمين .
اللهم اجعلنا مِمَّن ينفقون أموالهم ابتغاء مرضاتك؛ إنك على كل شيء قدير .
والحمدُ لله رب العالمين، وصلى الله وسلَّم على نبيّنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
الخطبة الثانية
الحمدُ لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضلّ له، ومَن يُضلل فلا هادي له، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
أما بعد:
أيها الناس، اتَّقوا الله تعالى، وإذا أدَّيتم الزكاة فأدّوها في المواطن التي جعلها الله تعالى إليها وهي المذكورة في قوله تعالى في سورة براءة: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [التوبة: 60]، هؤلاء هم الذين تُصرف إليهم الزكاة، فمَن صرف الزكاة في غير هؤلاء فإن زكاته لا تجزئه ولا تبرأ بها ذمته وهو كمَن صلّى الظهر قبل زوال الشمس؛ لأنه وضعها في غير موضعها، وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «مَن عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو ردّ» .
ولنتكلم على ثلاثة أصناف من هؤلاء، الصنف الأول: الفقراء، والثاني: المساكين، والثالث: الغارمون .
أما الفقراء والمساكين فهم: الذين لا يجدون ما يكفيهم هم وعائلتهم لمدة سنة، فإذا قدَّرنا أن رجلاً له وظيفة قدْرها ثلاثة آلاف ولكنه لا يكفيه في الصرف على بيته إلا أربعة آلاف لكونه كثير العائلة فهذا يُعتبر فقيرًا، لماذا ؟ لأن ثلاثة الآلاف لا تكفيه لمؤونته فيُعطى ما تكمُل به مؤونته وحينئذٍ نعطيه من الزكاة اثني عشر ألفًا؛ لأن ثلاثة الآلاف لا تكفيه، لا يكفيه إلا أربعة آلاف، ونفقاته ليس فيها إسراف ولكنه عائلته كثيرة فهذا نعطيه من الزكاة ما تكمُل به مؤونته لمدة سنة، وحدَّدها العلماء بسنَة؛ لأن الزكاة تجب حوليَّة، فهو إذا انتهى من هذه النفقة في مدة سنَة وإذا حول الزكوات الأخرى مقبل فحينئذٍ يُعطى من الزكاة للمرَّة الثانية، هؤلاء هم الفقراء والمساكين، وأما مَن عنده راتب يكفيه هو وعائلته فإنه لا يُعطى من الزكاة شيئًا .
أما الغارمون فهم: المدينون الذين ادَّانوا في أمور مباحة، فهؤلاء يُعطون ما يقضون به ديونهم ولو كثر إذا كانوا لا يستطيعون الوفاء .
ولكن هل نعطي المدِين ليسلِّمه إلى الدائن أو نذهب إلى الدائن نقضي عن المدين ؟
يُنظر، إذا كان المدين يخاف الله ويحب إبراء ذمته وهو ثقة فإننا نعطيه وهو بنفسه يقضي دينه من غريمه؛ لأن هذا أستر له وأبعد عن الرياء، وأما إذا كان المدين رجلاً سفيهًا لو أعطيناه ليقضي دَيْنه لَبَذَّرَهُ يمينًا وشمالاً فإننا لا نعطيه بل نذهب إلى الطالب الذي يطلبه ونقول: دَينك على فلان كذا وكذا، خُذْ هذا الدين، وننويه من الزكاة؛ لأن الله - سبحانه وتعالى - فرَّق بين إعطاء الفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وبينَ إعطاء الغارمين فقال: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ﴾ [التوبة: 60]، و«اللام» هنا للمُلْك فلا بدّ من تمليك الفقير، وكذلك مَن عطفوا عليه وهم المساكين والعاملون عليها والمؤلفة قلوبهم، أما الغارم فقال: وفي ﴿الْغَارِمِينَ﴾ [التوبة: 60]، و «في» للظرفية وليست للتمليك .
فالمهم أن تؤدّى الزكاة في الغرم سواء أعطيتها المدين وقضاها عن نفسه أو أعطيتها دائنه ولكن التفصيل الذي ذكرناه يجب أن تراعوه .
وهاهنا مسألة تُشكل على بعض الناس وهو أن بعض الناس يكون له مَدِينٌ فقيرٌ فهل يجوز أن يسقط عنه من الدَّين مقابل الزكاة ؟
مثاله: إنسان عليه زكاة قدْرها ألف ريال وله مَدينٌ فقيرٌ عليه ألف ريال فهل يجوز أن يُسقط عن الفقير ألف ريال ويحتسبه عن الزكاة ؟
والجواب: أن ذلك لا يجوز، فلا يجوز إبراء الفقراء عن زكاة أموال عينيَّة قائمة بيد الإنسان؛ لأن هناك فرقًا بين الدَّين والعين الذي بيد الإنسان، هناك فرقٌ بين دَيْن في ذمة لا يدرى أيأتي أم لا وبين مال بيدك تتصرف فيه كما شئت، فأنت إذا أبرأت المدِين من دَيْنه بنيَّة الزكاة فإنك أخرجت الرديء عن الطيب وقد قال الله تعالى: ﴿وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآَخِذِيهِ إِلا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ﴾ [البقرة: 267] .
ولهذا نجد الناس يفرِّق الإنسان بين أن يُعطى دَيْنه نقدًا وبين أن يُحال على فقير .
أيها الإخوة، خلاصة هذه المسألة: أنه لا يجوز للإنسان أن يُسقط عن الفقير شيئًا مِمّا عليه وينويه من الزكاة .
فاتَّقوا الله - عباد الله - وأبرئوا ذمتكم بإعطاء الزكاة لمستحقها، ولا تتهاون في هذا الأمر .
وهنا مسألة وهي: هل يجوز للإنسان أن يُعطي زكاته مَن كان من أقاربه ؟
والجواب: إذا كان هؤلاء الأقارب لا تلزمه نفقتهم فإنهم أحق من غيرهم؛ لأن الزكاة على الفقراء الأقارب صدقة وصِلَة، فهم أحق من غيرهم، وأما إذا كانوا مِمَّن تجب عليك نفقتهم فإنه لا يجوز لك أن تعطيهم من زكاتك؛ لأن إعطاءهم من زكاتك يعني توفير النفقة عليك وهذا حرام؛ فالزكاة لا تُصرف بإسقاط واجب على الإنسان أبدًا .
قبل أن نختم هذه الخطبة، سأل كثير من الناس عن السواك الذي شاع وذاع بين الناس الآن سواك مطعَّم بالليمون أو غيره، هل يجوز للصائم أن يتسوَّك به ؟
الجواب أن نقول: أولاً اسألوا الأطباء: هل التسوّك بهذه المساويك هل هو ضارٌّ بالفم أم لا ؟
إذا قالوا: إنه ضار فإنك لا تتسوّك به لا في الصيام ولا في غيره؛ لأن الإنسان مأمور باتِّقاء الضرر كما قال الله تبارك تعالى: ﴿وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ [البقرة: 195]، وقال: ﴿وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ﴾ [النساء: 29]، أما إذا قال الأطباء: إنه غير ضار فحينئذٍ نقول: أما غير الصائم فلا بأس أن يتسوّك به بدون تفصيل وأما الصائم فيُنظر: إذا كان له طعم يظهر في الرِّيق فلا تتسوّك به؛ لأنك إذا تسوّكت به في هذه الحال فأنت بين أمرين: إما أن تبتلع الطعم وحينئذٍ يفسد صومك، وإما أن تَتْفُلَ الطعم وحينئذٍ تبقى كلّما تسوّكت تَفَلْت، فهل يمكن أن تَتْفُلَ وأنت في الصف عند الصلاة ؟ لا يمكن .
إذنْ: إذا كان له طعم يؤثر على الرِّيق فلا تستعمله وأنت صائم واستعمل السواك العادي الذي ليس فيه طعم .
أيها الإخوة، لقد كان من هدي النبي - صلى الله عليه وعلى آله سلم - أنه إذا خطب احمرَّت عيناه، وعلا صوته، واشتد غضبه حتى كأنه منذر جيش يقول:«صبَّحكم ومسَّاكم»، ويقول: «أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة» .
فاعلموا أن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، شر الأمور محدثاتها في دين الله، أما ما أُحدث من أمور الدنيا فإن كان ليس حرامًا فالأصل فيه الحل لقول الله تبارك وتعالى: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا﴾ [البقرة: 29]، كُلُّ محدثة في الدين بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، فعليكم بالجماعة، اجتمعوا على كتاب الله، اجتمعوا على سنَّة رسول الله، لا تتفرَّقوا: لا تتفرَّقوا بقلوبكم، ولا تتفرَّقوا بأقوالكم، ولا تتفرَّقوا بأفعالكم .
بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - معاذ بن جبل وأبا موسى الأشعري إلى اليمن وقال لهما: «تطاوَعا ولا تختلفا»؛ أي: لِيُطع بعضكما بعضًا ولا تختلفا؛ فالخلاف شرٌّ .
اجتمعوا على كتاب الله، اجتمعوا على سنَّة رسول الله، دَعوا القيل والقال؛ فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان ينهى عن قيل وقال .
وأكْثروا من الصلاة والسلام على نبيّكم يُعظم لكم بها أجرًا؛ فإن «مَن صلى عليه مرّة واحدة صلى الله عليه بها عشرًا» .
اللهم صلِّ وسلّم على عبدك ورسولك محمد، اللهم صلِّ وسلّم على عبدك ورسولك محمد، اللهم صلِّ وسلّم على عبدك ورسولك محمد، اللهم ارزقنا محبّته واتّباعه ظاهرًا وباطنًا، اللهم توفَّنا على ملّته، اللهم احشرنا في زمرته، اللهم أسْقنا من حوضه، اللهم أدْخلنا في شفاعته، اللهم أَقِرَّ عيوننا بالاجتماع به في جنّات النّعيم مع الذين أنعمت عليهم من النبيين، والصديقين، والشهداء والصالحين .
اللهم ارضَ عن خلفائه الراشدين: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي أفضل أتباع المرسلين، اللهم ارضَ عن الصحابة أجمعين وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين .
اللهم ارضَ علينا معهم وأصْلح أحوالنا كما أصلحت أحوالهم يا رب العالمين .
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين والملحدين والمنافقين، ودمِّر أعداء الدين، واجعل بلدنا هذا آمنًا وسائر بلاد المسلمين، اللهم آمنّا في أوطاننا، وأصْلح رعيتنا وولاة أمورنا، اللهم أصْلح ولاة أمور المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، اللهم اجعلهم يقودون عبادك بكتابك وسنَّة رسولك يا رب العالمين .
اللهم انصر المجاهدين في سبيل في كل مكان، اللهم انصر إخواننا المسلمين في البوسنة والهرسك، اللهم انصرهم يا رب العالمين، اللهم فرِّج كرباتهم، اللهم اغفر لموتاهم، اللهم ثبِّت أقدام أحيائهم يا رب العالمين؛ إنك على كل شيء قدير .
اللهم أَقِرَّ عيوننا بهزيمة الصرب والكروات، اللهم أَقِرَّ عيوننا بهزيمة الصرب والكروات، اللهم أَقِرَّ عيوننا بهزيمتهم العاجلة يا رب العالمين .
اللهم امنح رقابهم لإخواننا المسلمين في البوسنة والهرسك، اللهم أورِث إخواننا المسلمين في البوسنة والهرسك ديارهم وأموالهم ونساءهم وذرياتهم، اللهم اجعل نساءهم غنيمة للمسلمين؛ إنك على كل شيء قدير .
اللهم تقبَّل منَّا إنك أنت السميع العليم، وتُبْ علينا إنك أنت التواب الرحيم .
اللهم ارزقنا اغتنام هذا الشهر المبارك بالأعمال الصالحة التي تقرِّبنا إليك يا رب العالمين .
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولكافه المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم .
 

رد مع اقتباس
إنشاء موضوع جديد إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
لا يوجد


تعليمات المشاركة
تستطيع إضافة مواضيع جديدة
تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 05:36 AM
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
vEhdaa 1.1 by NLP ©2009

RSS RSS 2.0 XML MAP HTML