-الجزء السادس عشر-
[ في ترجيح الخبر بكثرة الرواة ]
• وقال المصنِّف -رحمه الله- في [ص 332]:
«وَالثَالِثُ: أَنْ يَكُوَن رُوَاةُ أَحَدِ الخَبَرَيْنِ أَكْثَرَ مِنْ رُوَاةِ الخَبَرِ الآخَرِ فَيُقَدَّمُ الخَبَرُ الكَثِيرُ الرُّوَاةِ، لأَنَّ السَّهْوَ وَالغَلَطَ أَبْعَدُ عَنِ الجَمَاعَةِ، وَأَقْرَبُ إِلَى الوَاحِدِ».
[م] الترجيح بكثرة الرواة مذهبُ الجمهور، وبه قال مالك والشافعي وأحمد، ووافق الجمهورَ محمَّدُ بن الحسن وأبو عبد الله الجرجاني(1)، من الأحناف(2)، وعمدة الجمهور أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم لم يرجع إلى قول ذي اليدين: «أَقَصُرَتِ الصَّلاَةُ أَمْ نَسِيتَ ؟» حتى أخبره غيره من الصحابة كأبي بكر وعمر رضي الله عنهما(3)، وهذا يدلُّ على أنَّ للزيادة في العدد أثرًا في قُوة الخبر وقَبوله، وقد صحَّ أنَّ الصحابة رضي الله عنهم كانوا يرجِّحون بكثرة العدد: فقد قوَّى عمر بن الخطاب رضي الله عنه خبر المغيرة رضي الله عنه في دية الجنين بموافقة محمَّد بن مسلمة رضي الله عنه له(4)، كما تقوَّى خبر أبي موسى رضي الله عنه في الاستئذان بموافقة أبي سعيد رضي الله عنه(5)، وقوَّى ابن عمر رضي الله عنهما خبر أبي هريرة رضي الله عنه فيمن شهد جنازة بموافقة عائشة رضي الله عنها له(6)، ونحو ذلك من الوقائع الدالَّة على أخذهم بمبدأ الكثرة في الترجيح والعمل، ويؤيِّد ذلك من المعقول أنَّ الظنَّ الحاصلَ فيما رواه الأكثرُ أقوى من الظنِّ الحاصل فيما رواه الأقلُّ، فالشيء بين الجماعة الكثيرة أحفظ منه بين الجماعة اليسيرة، ولهذا جعل الله تعالى زيادة العدد في شهادة النساء موجبًا للتذكُّر، قال تعالى: ﴿أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى﴾ [البقرة: 282]، فكذلك جنس الرجِّال كُلَّما كثر العدد قَوِيَ الحفظ، وكان أبعد عن الخطإ والنسيان، فضلاً عن أنَّ احتمال الكذب على الأكثر أبعد من احتماله على الأقلّ؛ لأنَّ كلَّ خبرٍ يفيد ظنًّا إذا انضمَّ أحدهما إلى الآخر كان أقوى وآكد منه ما لو كان منفردًا، ولهذا ينتهي إلى التواتر بحيث يصير ضروريًّا قاطعًا لا يشكُّ فيه.
هذا، وقد خالف أبو حنيفة وأبو يوسف وجمهور الحنفية حيث ذهبوا إلى أنه لا يُرجَّح بكثرة الرواة(7) إذا لم تبلغ حدَّ الشهرة أو التواتر. قال عبد العزيز البخاري(8): «لا يؤخذ بكثرة الرواة إذا لم تبلغ حدَّ التواتر أو الشهرة؛ لأنَّ هذه الكثرة لا تحدث وصفًا في الخبر يتقوَّى به، بل هو في خبر الآحاد كما كان، أمَّا إذا بلغ حدَّ التواتر أو الشهرة فقد حدث فيه وصفٌ تقوَّى به حيث يقال: خبر مشهورٌ أو متواتِرٌ، فتعتبر هذه الكثرة في الترجيح دون الأولى»(9)، ومن أدلَّة الأحناف أنه لا أثر للكثرة في الرواية كما لا أثر لها في الشهادة والفتوى، حيث لا يُرجَّح في الشهادة بزيادة العدد، فشهادة الاثنين وشهادة الأربعة فأكثر سواء، كما أنَّ كثرةَ المجتهدين والمفتين لا يوجب قُوَّةً في الاجتهاد والفتوى، ومن جهة أخرى فإنَّ الحقَّ قد يكون مع القليل؛ لأنَّ الخبر الذي كثر رواته يحتمل أنه مُتقدِّم حتى علم به الأكثر بينما الخبر الذي قلَّ رواتُه يحتمل أنه متأخِّر فعَلِمَ به عددٌ قليلٌ، ويكون ما رُوَّاته أقلُّ ناسخًا(10).
وقد أُجيب بأنَّ الشهادةَ مخالفةٌ للخبر، لكونها مبنيةً على التعبُّد، إذ نصاب الشهادة محدَّد بالنصِّ فكان ما نصّ عليه وما زاد سواء بخلاف الخبر، والشهادة لا يصلح إلحاق الرواية بها؛ لأنَّ الرواية وإن شاركت الشهادة في بعض الوجوه فقد فارقتها في أكثر الوجوه، فشهادة الأعلم والأتقن وشهادة غيرهما سواء، والخبر يرجّح بعلم الراوي وإتقانه.
وأُجيبَ -أيضًا- بأنَّ العلم لا يقع باجتهاد المجتهدين دائمًا، وإنما العلم يحصل إذا أجمعوا على الحكم المجتهد فيه بإجماعهم دون اجتهادهم، والعلم الواقع بخبر التواتر إنما يقع بخبر العدد المخصوص دون معنى سواه.
أمَّا الاستدلال باحتمال النسخ فيمن رُوَّاته أقلّ فهو احتمال ضعيف؛ لأنه يحتمل العكس لاحتمال أنَّ من رُوَّاتُه أقلُّ جاء متقدِّمًا ثمّ نسخ، فعلم بالنسخ عدد كثير، وبقي عدد قليلٌ غاب عنهم العلم بالنسخ فبقوا يروونه على أنه غير منسوخ.
هذا، وإن كان الترجيح بالكثرة أقوى عند التعارض لقوة الأدلة وضعف ما استدل به الأحناف إلاَّ أنَّ الترجيح بها ليس على إطلاقه بل لا بدَّ أن يشترك الكثرة مع القلة في العدالة والثقة، وإلاَّ فإنَّ ما ذهب إليه كثيرٌ من الأصوليِّين تقديم جانب العدالة على جانب الكثرة إذا حصل تعارض بينهما(11)، قال الغزالي: «إذا عارض الثقةُ العددَ فالثقةُ مُقدَّمةٌ، وقدَّم آخرون العدد؛ لأنه أقرب من التواتر، ونحن نعلم أنَّ الصحابة كانوا يقدِّمون قول أبي بكر رضي الله عنه على قول معقل ابن يسار ومعقل بن سنان وأمثالهم»(12).
وقد مثَّلَ له المصنِّف في «إحكام الفصول» بترجيح حديث إيجاب الوضوء من مَسِّ الذكر على حديث طلق بن علي رضي الله عنه، وهو قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «هَلْ هُوَ إِلاَّ بُضْعَةٌ مِنْكَ»(13)، فإنَّ حديثَ إيجاب الوضوء رواه بسرة بن صفوان وأبو هريرة، وابن عمر، وزيد بن خالد، وسعد بن أبي وقاص، وجابر بن عبد الله، وعائشة، وأمُّ سلمة، وأم حبيبة، وأروى بنت أنيس رضي الله عنهم وغيرهم، وما كان أكثر رواة كان أرجح(14).
ومثالٌ آخرُ للترجيح بكثرة الرواة مسألة: رفع اليدين في الركوع، فقد ثبت عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم: «كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَذْوَ مِنْكَبَيْهِ إِذَا افْتَتَحَ الصَّلاَةَ إِذَا كَبَّرَ لِلرُّكُوعِ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ رَفَعَهُمَا كَذَلِكَ أَيْضًا، وَقَالَ سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَبَّنَا وَلَكَ الحَمْدُ، وَكَانَ لاَ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي السُّجُودِ»(15)، وهو يدلُّ على أنَّ رسولَ اللهُ صلى الله عليه وآله وسلم كان يرفع يديه عند تكبيرة الإحرام وعند الركوع والرفعِ منه، ويعارضه حديثُ ابنِ مسعودٍ رضي الله عنه قال: «أَلاَ أُصَلِّي بِكُمْ صَلاَةَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى، فَلَمْ يَرْفَعْ يَدَيْهِ إِلاَّ في أَوَّلِ مَرَّةٍ»(16)، فهذا يدلُّ على أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم كان لا يرفع يديه إلاَّ عند افتتاح الصلاة فقط، وبترجيح حديث ابن عمر رضي الله عنهما على حديث ابن مسعود رضي الله عنه ذهب جمهورُ العلماء، خلافًا لأبي حنيفة(17)، وعِلَّة الترجيح كثرةُ رواة رفع اليدين في ثلاثة مواطن، ولهذا يقول البخاري: «يروى هذا الرفع عن سبعة عشر نفسًا من أصحاب النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم»(18). ونقل ابن حجر(19) عن مشايخه: «أنَّ الرفع قد رويت عن خمسين صحابيًّا بينهم العشرة المبشَّرين بالجنَّة»(20)، وكذا عن الحافظ العراقي(21) مثله(22)، قال الشافعي: «وبهذه الأحاديث تركنا ما خالفها من حديث؛ لأنها أثبت إسنادًا، وأنها حديث عدد، والعدد أولى بالحفظ»(23)، فضلاً عن أنَّ أحاديث الرفع مُثبِتةٌ وتضمَّنت زيادةً غير منافية، والأحاديث المخالفة نافيةٌ، والمُثبِتُ مُقدَّمٌ على النافي(24)، وزيادة العدل غير المنافية مقبولة بالإجماع(25).
[ في ترجيح الخبر المسموع على المكتوب ]
• وقال المصنِّف في [ص 332]:
«وَالرَّابعُ: أَنْ يَقُولَ رَاوِي أَحَدِ الخَبَرَيْنِ: «سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم»، وَالآخَرُ يَقُولُ: «كَتَبَ إِلَيَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ»، فَيُقَدَّمُ خَبَرُ مَنْ سَمِعَ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ؛ لأَنَّ السَّمَاعَ مِنَ العَالِمِ أَقْوَى مِنَ الأَخْذِ بكِتَابهِ الوَارِدِ».
[م] وهذا النوع من الترجيح والذي قبله معدودٌ من الترجيح باعتبار قُوَّة السَّنَد في مجموعه، وقد مثَّل له المصنِّفُ في «إحكام الفصول» بحديث عبد الله بنِ عُكَيمٍ قال: «إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إِلَى جُهَيْنَةَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِشَهْرٍ أَنْ لاَ يَنْتَفِعُوا مِنَ المَيْتَةِ بِإِهَابٍ وَلاَ عَصَبٍ»(26)، وفي لفظ: «قَبْلَ وَفَاتِهِ بِشَهْرَيْنِ»(27)، فإنه يدلُّ على تحريم الانتفاع بجِلد الميتة مُطلقًا سواء كان مدبوغًا أم لا، ويعارضه حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: «تُصُدِّقَ عَلَى مَوْلاَةٍ لمَيْمُونَةَ بِشَاةٍ فَمَاتَتْ فَمَرَّ بِهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم فَقَالَ: هَلاَّ أَخَذَتُمْ إِهَابَهَا فَدَبَغْتُمُوهُ فَانْتَفَعْتُمْ بِهِ فَقَالُوا: إِنَّهَا مَيْتَةٌ، فَقَالَ: إِنَّمَا حُرِّمَ أَكْلُهَا»(28)، وفي لفظ: «إِذَا دُبِغَ الإِهَابُ فَقَدْ طَهُرَ»(29)، الَّذِي يدلُّ على أنَّ الدباغ مُطهِّرٌ لجِلد الميتة، وأنه يجوز بعد الدباغ الانتفاع به. وقد رجَّح الجمهورُ حديث ابن عباس رضي الله عنهما بعِدَّة مُرجِّحات منها:
أنَّ حديث ابن عباس رضي الله عنهما سماع، وحديث ابن عُكَيم كتاب، فترجيح ما كان مسموعًا من النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم على ما كان مكتوبًا عنه(30)، لما يتخلَّل الكتابة والوجادة والمناولة من شبهة الانقطاع لعدم المشافهة(31)، ولأنَّ حديث ابن عباس رضي الله عنهما سليم من الاضطراب بينما حديث ابن عُكَيم مرسل، ومضطرب المتن والإسناد، ويظهر إرساله من جهة أنَّ ابنَ عُكَيم لم يلق النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم، وإنما هو حكاية عن كتاب أتاهم، وأمَّا اضطراب المتن فإنه روي تارة بتقييد بشهر أو شهرين وبأربعين يومًا أو بثلاثة أيام وتارة من غير تقييد، وأمَّا اضطرابه من جهة الإسناد فتارة يرويه ابن عُكَيم عن كتاب النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم، وتارة عن مشيخة من جهينة، وتارة عمن قرأ الكتاب(32)، كما يرجَّح حديث ابن عباس رضي الله عنهما لكثرة الرواة فيه، فقد رواه عدد كثير غير ابن عباس رضي الله عنهما(33)، فضلاً عن أنه إذا سُلِّم بموجب حديث ابن عكيم في تحريم إهاب الميتة، فإنَّ الإهاب مخصوصٌ بما لم يُدبغ ولا يُسمَّى الجِلد بعد الدِّباغ إهابًا(34)؛ لأنَّ الأصلَ في الألفاظ التباين، وإذا أمكن التوفيق بين الحديثين بحمل العموم على خصوص التطهير، أو بحمل النهي لما قبل الدباغ والجواز لما بعده فَيُقَدَّم على النسخ الذي ذهب إليه مالك في رواية وأحمد في المشهور، حيث رأوا أنَّ حديث عبد الله ابن عكيم ناسخ لأحاديث جواز الانتفاع بإهاب الميتة إذا دبغ لتأخُّره كما ورد التصريح فيه؛ لأنَّ الجمع مقدَّم على النسخ الاحتمالي(35).
[ في ترجيح الخبر المتفق على رفعه ]
• قال الباجي -رحمه الله- في [ص 333]:
«وَالخَامِسُ: أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الخَبَرَيْنِ مُتَّفَقًا عَلىَ رَفْعِهِ إِلىَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، وَالآخَرُ مُخْتَلَفًا فِيهِ، فَيُقَدَّمُ المُتَّفَقُ عَلَيْهِ، لأَنَّهُ أَبْعَدُ مِنَ الخَطَأِ وَالسَّهْوِ»
«يتبع»...
1- هو أبو عبد الله محمَّد بن يحيى الجرجاني، من أعلام الحنفية، ومن أصحاب التخريج في مذهبهم، تفقَّه على أبي بكر الرازي، وتفقَّه عليه أبو الحسين القدوري وأحمد بن محمَّد الناطفي، من مؤلفاته: «ترجيح مذهب أبي حنيفة»، توفي سنة (398ه).
انظر ترجمته في: «الجواهر المضيئة» للقرشي (2/143)، و«الفوائد البهية» للكنوي (202)، «هدية العارفين» للبغدادي (2/57)، «طبقات الفقهاء» لطاش كبرى زادة، (72)، «إيضاح المكنون» للبغدادي (2/225)، «الأعلام» للزركلي (8/5).
2- انظر المصادر الأصولية المثبتة على هامش «الإشارة» (332).
3- أخرجه البخاري في «المساجد» (1/565) باب تشبيك الأصابع في المسجد وغيره، ومسلم في «المساجد» (5/68) باب السهو في الصلاة والسجود له، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، ونصُّ حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ إِحْدَى صَلاَتَيِ العَشِيِّ فَصَلَّى بِنَا رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ ، فَقَامَ إِلَى خَشَبَةٍ مَعْرُوضَةٍ فِي المَسْجِدِ فَاتَّكَأَ عَلَيْهَا، كَأَنَّهُ غَضْبَانُ، وَوَضَعَ يَدَهُ اليُمْنَى عَلَى اليُسْرَى، وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ، وَوَضَعَ خَدَّهُ الأَيْمَنَ عَلَى ظَهْرِ كَفِّهِ اليُسْرَى، وَخَرَجَتِ السَّرَعَانُ مِنْ أَبْوَابِ المَسْجِدِ فَقَالُوا: قَصُرَتِ الصَّلاَةُ، وَفِى القَوْمِ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، فَهَابَا أَنْ يُكَلِّمَاهُ، وَفِي القَوْمِ رَجُلٌ فِي يَدَيْهِ طُولٌ يُقَالُ لَهُ ذُو اليَدَيْنِ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَنَسِيتَ أَمْ قَصُرَتِ الصَّلاَةُ ؟ قَالَ: «لَمْ أَنْسَ، وَلَمْ تُقْصَرْ». فَقَالَ: «أَكَمَا يَقُولُ ذُو اليَدَيْنِ ؟»، فَقَالُوا: نَعَمْ. فَتَقَدَّمَ فَصَلَّى مَا تَرَكَ، ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ كَبَّرَ وَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَكَبَّرَ، ثُمَّ كَبَّرَ وَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَكَبَّرَ، فَرُبَّمَا سَأَلُوهُ ثُمَّ سَلَّمَ فَيَقُولُ نُبِّئْتُ أَنَّ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ قَالَ: ثُمَّ سَلَّمَ.
4- أخرجه البخاري في «الديات» (12/247) باب جنين المرأة، ومسلم في «القسامة» (11/179) باب دية الجنين ووجوب الدية في قتل الخطأ، وأبو داود في «الديات» (4570) من حديث المغيرة ابن شعبة رضي الله عنه ونصّ هذه الرواية: «عن المسور بن مخرمة قال: اسْتَشَارَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ النَّاسَ فِي إِمْلاَصِ المَرْأَةِ فَقَالَ المُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ: شَهِدْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله وسلم قَضَى فِيهِ بِغُرَّةٍ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ. قَالَ: فَقَالَ عُمَرُ: ائْتِنِي بِمَنْ يَشْهَدُ مَعَكَ قَالَ فَشَهِدَ لَهُ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ».
5- أخرجه البخاري في «الاستئذان» (11/26-27) باب التسليم والاستئذان ثلاثًا، ومسلم في «الآداب» (14/130) باب الاستئذان من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، ونصّ الرواية: «يقول أبو سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ: كُنْتُ جَالِسًا بِالمَدِينَةِ فِي مَجْلِسِ الأَنْصَارِ فَأَتَانَا أَبُو مُوسَى فَزِعًا أَوْ مَذْعُورًا، قُلْنَا: مَا شَأْنُكَ، قَالَ: إِنَّ عُمَرَ أَرْسَلَ إِلَيَّ أَنْ آتِيَهُ فَأَتَيْتُ بَابَهُ فَسَلَّمْتُ ثَلاَثًا فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيَّ فَرَجَعْتُ، فَقَالَ: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَأْتِيَنَا فَقُلْتُ: إِنِّي أَتَيْتُكَ فَسَلَّمْتُ عَلَى بَابِكَ ثَلاَثًا فَلَمْ يَرُدُّوا عَلَيَّ فَرَجَعْتُ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا اسْتَأْذَنَ أَحَدُكُمْ ثَلاَثًا فَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فَلْيَرْجِعْ». فَقَالَ عُمَرُ: أَقِمْ عَلَيْهِ البَيِّنَةَ وَإِلاَّ أَوْجَعْتُكَ. فَقَالَ أُبيُّ بْنُ كَعْبٍ لاَ يَقُومُ مَعَهُ إِلاَّ أَصْغَرُ القَوْمِ. قَالَ أَبُو سَعِيدٍ قُلْتُ أَنَا أَصْغَرُ الْقَوْمِ، قَالَ فَاذْهَبْ بِهِ».
6- أخرجه البخاري في «الجنائز» (3/192) باب فضل اتباع الجنائز، ومسلم في «الجنائز» (7/15) باب فضل الصلاة على الجنازة واتباعها، ونصّه: «حدثنا نافع قال: قيل لابن عمر إنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم يَقُولُ: «مَنْ تَبِعَ جَنَازَةً فَلَهُ قِيرَاطٌ مِنَ الأَجْرِ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: أَكْثَرَ عَلَيْنَا أَبُو هُرَيْرَةَ، فَبَعَثَ إِلَى عَائِشَةَ فَسَأَلَهَا فَصَدَّقَتْ أَبَا هُرَيْرَةَ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: لَقَدْ فَرَّطْنَا فِي قَرَارِيطَ كَثِيرَةٍ».
7- انظر: «ميزان الأصول» للسمرقندي (733)، «أصول السرخسي» (2/24)، «فواتح الرحموت» للأنصاري (2/210).
8- هو علاء الدين عبد العزيز بن أحمد بن محمَّد البخاري الحنفي، فقيه أصولي، له مؤلفات، منها: «كشف الأسرار»، «شرح أصول البزدوي»، «حاشية على شرح أصول البزدوي»، وله شرح «الهداية» للمرغيناني، وصل إلى باب النكاح، توفي سنة (730ه).
انظر ترجمته في: «الجواهر المضيئة» للقرشي (2/428)، «الفوائد البهية» للكنوي (94)، «هدية العارفين» للبغدادي (1/581)، «الفتح المبين» للمراغي (2/141)، «معجم الأصوليين» للبقا (2/207).
9- «كشف الأسرار» للبخاري (4/79-80).
10- انظر المصادر الأصولية المثبتة على هامش «الإشارة» (332).
11- انظر: «البرهان» للجويني (2/1168)، «المسودة» لآل تيمية (274)، «إرشاد الفحول» للشوكاني (276).
12- «المنخول» للغزالي (430).
13- أخرجه أبو داود (1/127)، والترمذي (1/131)، والنسائي (1/101)، وابن ماجه (1/163)، وأحمد (4/22-23)، والدارقطني (1/149)، والبيهقي (1/134)، والطحاوي في «شرح معاني الآثار» (1/76)، وابن حزم في «المحلى» (1/238)، من حديث طلق بن علي رضي الله عنه قال الطحاوي: إسناده مستقيم غير مضطرب، وصحَّحه ابن حبان والطبراني وابن حزم وعمرو ابن علي الفلاسي وغيرهم. [انظر: «نصب الراية» للزيلعي (1/60)، «الدراية» لابن حجر (1/41)، «التلخيص الحبير» لابن حجر (1/125)، «طريق الرشد».لعبد اللطيف (33)].
14- «إحكام الفصول» (737)، «المنهاج» كلاهما للباجي (223)، «مفتاح الوصول» للشريف التلمساني (629).
وفي مسألة الوضوء من مسِّ الذكر أقوال موجبة مُطلقًا وأخرى مُفصّلة، ويرى غيرهم عدم انتقاض الوضوء من مَسِّ الذكر مُطلقًا، ولعلَّ أقرب الأقوال إلى الصحة هو استحباب الوضوء من مس الذكر مُطلقًا؛ لأنَّ إيجاب الوضوء ليس مُتعلِّقًا بمجرَّد المسِّ بل لما يعلل بكونه مظنّة تحريك الشهوة وهو اختيار ابن تيمية في «مجموع الفتاوى» (21/241) ، جمعًا بين الأدلة بحمل الأمر به على الاستحباب، والجمع بينها والتوفيق بين الآثار أولى من النسخ الاحتمالي والترجيح.
انظر تفصيل هذه المسألة في: «المنتقى للباجي» (1/89)، «المحلى» لابن حزم (1/235)، «بداية المجتهد» لابن رشد (1/39)، «تحفة الفقهاء» للسمرقندي (1/35)، «المغني» لابن قدامة (1/178)، «المجموع» للنووي (2/41)، «تبيين الحقائق» للزيلعي (1/12)، «الإنصاف» للمرداوي (2/27)، «الاختيار» لابن مودود (1/10)، «القوانين الفقهية» لابن جزي (32).
15- أخرجه البخاري في «الأذان» (2/218) باب رفع اليدين في التكبيرة الأولى مع الاستفتاح سواء، ومسلم في «الصلاة» (4/93) باب استحباب رفع اليدين حذو المنكبين، وأبو داود (1/463)، والترمذي (2/35)، والنسائي (2/182)، وابن ماجه (1/279)، وأحمد (2/8-18-62-100) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
16- أخرجه أبو داود (1/477)، والترمذي (2/40)، والنسائي (2/182)، وأحمد (1/441)، والطحاوي في «شرح معاني الآثار» (1/224)، وابن حزم في «المحلى» (4/87)، من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه. قال الترمذي: حديث حسن، وصحَّحه ابن حزم في «المحلى» (4/88)، والألباني في «صحيح سنن أبي داود» (1/216). [انظر: «نصب الراية» للزيلعي (1/394)، «التلخيص الحبير» لابن حجر (1/222)، تعليق أحمد شاكر وتصحيحه للحديث في «سنن الترمذي» (2/41)].
17- انظر مسألة رفع اليدين في الصلاة في «المحلى» لابن حزم (4/87)، «بداية المجتهد» لابن رشد (1/133)، «المغني» لابن قدامة (1/497)، «المجموع» للنووي (3/399)، «فتح الباري» لابن حجر (2/219)، «نيل الأوطار» للشوكاني (3/13).
18- «المجموع للنووي» (3/399)، «فتح الباري» لابن حجر (2/220).
19- هو أبو الفضل أحمد بن علي بن محمَّد الشهير بابن حجر الكناني العسقلاني المصري، الحافظ الكبير، الإمام المنفرد بمعرفة الحديث وعلله في عصره، الشافعي الفقيه، تولى القضاء والتصنيف، له مؤلفات نفيسة، منها: «فتح الباري»، و«تهذيب التهذيب»، و«الإصابة»، و«الدرر الكامنة»، وغيرها، توفي سنة (852ه).
انظر ترجمته في: «الضوء اللامع» للسخاوي (2/36)، «حسن المحضرة» للسيوطي (1/206)، «البدر الطالع» للشوكاني (1/78)، «الفكر السامي» للحجوي (1/2/350)، «الأعلام» للزركلي (1/173)، «درة الحجال» لابن القاضي المكناسي (1/64)، «معجم الأصوليين» للبقا (1/177).
20- «فتح الباري» لابن حجر (2/220).
21- هو أبو الفضل، زين الدين عبد الرحيم بن الحسين بن عبد الرحمن العراقي الكردي المصري الشافعي، الإمام الحافظ المحدث، الفقيه الأصولي، له مؤلفات كثيرة، منها: «ألفية مصطلح الحديث»، و«شرح ألفية الحديث»، و«التقييد والإيضاح»، و«تخريج أحاديث الإحياء»، و«نظم منهاج البيضاوي» في الأصول، و«نظم غريب القرآن»، وولي القضاء، وتوفي بالقاهرة سنة (806ه).
انظر ترجمته في: «إنباء الغمر» لابن حجر (2/275)، «الضوء اللامع» للسخاوي (4/171)، «ذيل تذكرة» الحفاظ للسيوطي (370)، «حسن المحاضرة» للسيوطي (1/360)، «طبقات الحفاظ» للسيوطي (543)، «شذرات الذهب» لابن العماد (7/55).
22- «طرح التثريب» للعراقي (2/254).
23- «الأم» للشافعي (1/104).
24- «فتح الباري» (2/220).
25- «المحلى» لابن حزم (4/93)، «نيل الأوطار» للشوكاني (3/15).
26- العصب: هي أطناب المفاصل القوية: أي العروق التي تشدّ المفاصل. [«النهاية» لابن الأثير (3/245)].
27- أخرجه أبو داود (3/470)، والترمذي (4/222)، والنسائي (7/175)، وابن ماجه (2/1194)، وأحمد (4/310)، والبيهقي (6/113)، والطحاوي في «شرح معاني الآثار» (1/468)، وابن حزم في «المحلى» (1/121)، وابن سعد في «الطبقات الكبرى» (6/113) من حديث عبد الله ابن عكيم. والحديث ضعَّفه الزيلعي في «نصب الراية» (1/120)، وابن حجر في «التلخيص الحبير» (1/46)، وبضعفه جزم أحمد شاكر في تعليقه على تصحيح ابن حزم له في «المحلى» (1/121)، وسبب التضعيف إنما هو الإعلال بالإرسال والانقطاع والاضطراب في سنده ومتنه، ومع ذلك فقد حسَّنه الترمذي، وصحَّحه ابن حزم، وفَنَّد صاحبُ «الإرواء» العلل المضافة للحديث وصحَّحه. [انظر: «إرواء الغليل» للألباني (1/76-79)].
28- أخرجه البخاري (3/355، 4/413، 9/658)، ومسلم (4/51)، وأبو داود (4/366)، والترمذي (4/220)، والنسائي (7/171)، وابن ماجه (2/1193)، ومالك في «الموطأ» (2/44) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
29- أخرجه مسلم (4/53)، والترمذي (4/221)، والنسائي (7/173)، وابن ماجه (2/1193)، وأحمد (1/219)، ومالك في «الموطأ» (2/44)، والدارمي (2/85)، والبيهقي (1/16)، والدارقطني (1/46)، والطحاوي في «شرح معاني الآثار» (1/469)، وابن حزم في «المحلى» (1/119)، وابن عدي في «الكامل» (2/566)، والبغوي في «شرح السُّنَّة» (2/97) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
30- «إحكام الفصول» (739)، «المنهاج» كلاهما للباجي (224)، وهذا ما عليه الجمهور، وظاهر كلام أحمد أنّ كتابه وما سمع منه سواء، وبه قال القاضي أبو يعلى وتبعه ابن البناء، وفي المسألة قول ثالث يرى تقديم الكتابة على الحفظ على ما نقله الشوكاني. [انظر المصادر الأصولية المثبتة على هامش «الإشارة» (333)].
31- «الاعتبار» للحازمي (64).
32- «نصب الراية» للزيلعي (1/120)، «التلخيص الحبير» لابن حجر (1/47)، «المجموع» للنووي (1/219).
33- «المجموع» للنووي (1/217)، «نيل الأوطار» للشوكاني (1/105).
34- «الاعتبار» للحازمي (178)، «النهاية» لابن الأثير (1/83)، «الفائق» للزمخشري (1/67)، «مفتاح الوصول» للشريف التلمساني (525).
35- تأثير الدباغ بالطهارة في جلود ميتات الحيوان مُطلقًا هو مذهبُ الظاهرية وبعضِ المالكية، واختاره الشوكانيُّ ونسبه للجمهور. [انظر: «المحلى» لابن حزم (1/118)، «المنتقى» للباجي (3/135)، «المجموع» للنووي (1/217)، «نيل الأوطار» للشوكاني (1/102)، والمشهور عند المالكية أنه نجس وإن دبغ غير أنه يجوز استعماله في اليابسات، وفي الماء خاصّة، ولا يجوز بيعه ولا الصلاة عليه. [القوانين الفقهية لابن جزي]، وفي المسألة أقوال أخرى. [انظر: «المهذب» للشيرازي (1/17)، «بداية المجتهد» لابن رشد (1/78)، «المغني» لابن قدامة (1/71)، «المجموع» للنووي (1/217)، «شرح مسلم» للنووي (4/54)، «المعلم» للمازري (1/381)، «الاختيار» لابن مودود (1/16)، «سبل السلام» للصنعاني (1/30)، «نيل الأوطار» للشوكاني (1/101).