"الهاوية لطاعن معاوية" لفضيلة الشيخ محمد بن عبد الحميد حسونة -رحمه الله تعالى
للتحميل : اضغط هنا
وقال الربيع بن نافع الحلبي ( ت: 241 هـ ) رحمه الله تعالى :
"معاوية ستر لأصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم- فإذا كشف الرجل الستر اجترأ على ما وراءه" "البداية والنهاية" (8/139)
بعد البسملة والحمدلة والحوقلة، أقول :
صدا لعدوان المعتدين عن شريعة رب العالمين، أقول :
قال الرافضي : "ولمن يردوها بعد وفاة الرسول الاعظم روحي له الفدى هل هو معاويه مثلا الذي سبب الحروب والقتل في المسلمين عندما خرج على الخليفه وعصى امر الشورى والذي اخبر عنه الرسول عندما قال لعمار ابن ياسر ستقتلك الفئه الباغيه وقتله جيش معاويه"
أقول مستعينا بالله تعالى متوكلا، دفعاً ورفعاً لقول الرافضي : المقصود – أيا مغمم – بولاة الأمر هنا العلماء الربانيين، الذين يعملون وفق الوحي ومقتضى الدليل، هذا أولاً .
ثانياً : وفيها الدلالة على جهل أو كذب الرافضي، دليل ذلك كفره بما عدّوه ضرورة من ضروريات المذهب الشيعي، بل وانتسبوا إليه "الإمامية" ولطالما طنطنوا به، وملؤوا الدنا تكفيراً وإفساداً بسببه، أعنى التنصيص – ولا نص-بالوصية لأبي تراب – رضي الله تعالى عنه- وكفرهم بالشورى، وذلك قوله : "وعصى امر الشورى "
ثالثا : والعجب – ولا عجب- من موافقة هذا التخبط والخلط بل الخطل والخبل لقول الجاحظ المعتزلي – عفاالله تعالى عنه- في إحدى رسائله، إذ قال : " عندها استوى معاوية على الملك، واستبد على بقية الشورى، وعلى جماعة المسلمين؛ من الأنصار والمهاجرين في العام الذي سموه عام الجماعة، وما كان عام جماعة، بل كان عام فرقة وقهر وجبرية وغلبة، والعام الذي تحولت فيه الإمامة مُلكًا كسرويًا، والخلافة غصبًا قيصريًا ..." الخ هرائه"رسالة في النابتة" مطبوعة ضمن "رسائل الجاحظ" (1/10-12) تحقيق الأستاذ عبد السلام هارون – رحمه الله.
فتأمل منازعة هذا المعتزلي المتهتك([1]) لجماعة المسلمين الذين فرحوا بالصلح بين معاوية والحسن – رضيالله عنهما- الذي أخبر عنه صلى الله عليه وسلمبقوله عن الحسن – رضي الله عنه - : " إن ابني هذا سيد، ولعلالله أن يُصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين" أخرجه الإمام البخاري . وسمّوا العام الذي حدث فيه عام الجماعة .
رابعاً – وهي القاصمة : وأستدل هنا بكلامكم : كاظم الإحسائي النجفي يقول : "إن الجيش الذي خرج لحرب الإمام الحسين ثلاثمائة ألف كلهم من أهل الكوفة ليس فيهم شامي ولا حجازي ولا هندي ولا سوداني ولا مصري([2]) ولا أفريقي بل كلهم من أهل الكوفة" "عاشوراء" ص(89)
مرتضى المطهري : "الكوفة كانوا من شيعة علي وأن الذين قتلوا الإمام الحسين هم شيعته" "الملحمة الحسينية"(1/129) وهذا مقرر ثابت، وقد ترادفت فيه أبحاث وتضافرت .
خامساً : أما استدلالك بالبغي على تكفير محارب علي والحسين – رضي الله عنهما- فهذا من دائكم - الجهل والحمق- وإلا فماذا أنتم صانعون مع قول الله تعالى : "وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ" سورة "الحجرات" الآيتان(9-10) فأثبتت الآيات لهم مع اقتتالهم إيماناً، وأنت من جهلكم وجوركم وحنقكم كفرتموهم .
سادساً : أما القول في الذبّ عن المهدي الهادي، كاتب الوحي، خال المؤمنين، أفضل ملوك هذه الأمة، بل ملك الإسلام، معاوية ابن أبي سفيان – رضي الله تعالى عنهما- فقد ذكروا في صفته الخَلقية والخُلقية
كان معاوية طويلاً، أبيضَ، جميلاً ، يصفر لحيته كأنها الذهب، وكان حليماً وقوراً رئيساً سيداً في الناس، كريماً عادلاً شهماً .
قال المدائني عن صالح بن كيسان قال : رأى بعض متفرسي العرب معاوية وهو صبي صغير، فقال : إني لأظن هذا الغلام سيسود قومه، فقالت هند : ثكلته إن كان لا يسود إلا قومه.
وقال محمد بن سعد : أنبأنا علي بن محمد بن عبد الله بن أبي سيف قال : نظر أبو سفيان يوماً إلى معاوية وهو غلام فقال لهند : إن ابني هذا لعظيم الرأس، وإنه لخليق أن يسود قومه، فقالت هند : قومه فقط ، ثكلته إن لم يسد العرب قاطبة.
وكانت هند تحمله وهو صغير وتقول:
إنّ بني معرقٍ كريمٌ *** محببٌ في أهله حليم
ليس بفاحشٍ ولا لئيمٌ *** ولا ضجورٌ ولا سؤوم
صخر بني فهرٍ به زعيمٌ *** لا يخلف الظن ولا يخيم
وقالت هند – رضي الله تعالى عنها- لمعاوية فيما كتبت به إليه : والله يا بني إنه قل أن تلد حرة مثلك، وإن هذا الرجل قد استنهضك في هذا الأمر، فاعمل بطاعته فيما أحببت وكرهت.
وقال له أبوه – رضي الله تعالى عنه : يا بني إن هؤلاء الرهط من المهاجرين سبقونا وتأخرنا فرفعهم سبقهم وقدمهم عند الله وعند رسوله، وقصر بنا تأخيرنا فصاروا قادة وسادة، وصرنا أتباعاً... فلم يزل معاوية نائباً على الشام في الدولة العمرية والعثمانية مدة خلافة عثمان.
هذا .. و " قد جاءت في فضله أدلة من الكتاب والسنة وهي تنقسم إلى قسمين :
أولاً : أدلة عامة : وهي التي جاءت في فضائل الصحابة - رضي الله عنهم أجمعين - ولا شك أن معاوية - رضيالله عنه- داخل في هذا الفضل .
قال العلامة شمس الدين ابن القيم - رحمه الله تعالى : " فيما صح في مناقب الصحاب على العموم ومناقب قريش فمعاوية - رضي الله عنه - داخل فيه""المنار المنيف"ص(93)
ثانياً : أدلة خاصة : وقد جاءت تصريحا وتلويحا، وإليك هذه الأدلة التي تدل على فضله رضي الله عنه وبعض آثار السلف رحمهم الله تعالى .
* ومن فضائله دخوله في خير القرون : معاوية - رضي الله تعالى عنه- صحابي بالإجماع، وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : "خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم" قال عمران : فلا أدري أذكر بعد قرنه قرنين أو ثلاثا" رواه الإمامان البخاري و مسلم
* قال عمير بن سعد - رضي الله عنه : " لا تذكروا معاوية إلا بخير فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلميقول : « اللهم أجعله هادياً مهدياً وأهد به" رواه الأئمة : البخاري في « التاريخ الكبير » (5/240) ، وأحمد في « المسند » (17929) ، والترمذي في « جامعه » (3843) ، والطبراني في « المعجم الأوسط » (656) ، وفي « مسند الشاميين » (2198) ، وابن أبي عاصم في « الآحاد والمثاني » (3129) ، والأجري في « الشريعة » (1915،1914) ، والخطيب في « تاريخه » (1/207) ، وأبو نعيم في « الحلية » (8/358) ، وفي « أخبار أصبهان » (1/180) ، والخلال في « السنة » (676) وصححه العلامة الألباني في "السلسلة الصحيحة"(4/615) برقم(1969).
* وروى الإمام مسلم في "صحيحه" من حديث ابن عباس – رضي الله تعالى عنهما- قال : كنت ألعب مع الصبيان، فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم-فتواريت خلف باب، فجاء فحطأني حطاة وقال : « اذهب وادع لي معاوية » قال : فجئت فقلت : هو يأكل، قال : ثم قال لي : « أذهب فادع لي معاوية» قال : فجئت، فقلت : هو يأكل، فقال : « لا أشبع الله بطنه» .
قال الإمام النووي - رحمه الله تعالى- في "شرحه على مسلم" : " قد فهم مسلم - رحمه الله - من هذا الحديث أن معاوية لم يكن مستحقاً للدعاء عليه؛ فلهذا أدخله في هذا الباب، وجعله من مناقب معاوية لأنه في الحقيقة يصير دعاء له" "شرح صحيح مسلم" (16/156) .
وقال الحافظ الذهبي – رحمه الله تعالى- : " لعل هذه منقبة لمعاوية لقول النبيصلى الله عليه وسلم: « اللهم من لعنته أو شتمته فاجعل ذلك له زكاة ورحمة" « تذكرة الحفاظ » (2/699) و« سير أعلام النبلاء » (14/130) .
* أخرج الإمامان البخاري ومسلم - رحمهما الله تعالى- عن أنس بن مالك عن خالته أم حرام بنت ملحان – رضي الله تعالى عنهما- قالت : نام النبي - صلى الله عليه وسلم - يوماً قريباً مني ثم أستيقظ يبتسم فقلت : ما أضحكك ؟ قال : « أناس من أمتي عرضوا علي يركبون هذا البحر الأخضر كالملوك على الأسرة » قالت : فادعالله أن يجعلني منهم، فدعا لها ثم نام الثانية ففعل مثلها فقالت قولها، فأجابها مثلها، فقالت : أدع الله أن يجعلني منهم، فقال : « أنت من الأولين » فخرجت مع زوجها عبادة بن الصامت غازياً أول ما ركب المسلمون البحر مع معاوية، فلما انصرفوا من غزوتهم قافلين فنزلوا الشام فقربت إليها دابة لتركبها فصرعتها فماتت" "صحيح الإمام البخاري"(2636) و"صحيح الإمام مسلم"(5925)
وفي رواية الإمام البخاري – رحمه الله تعالى : " أول جيش من أمتي يغزون البحر قد أوجبوا" قالت أم حرام : قلت : يا رسول الله أنا فيهم؟ قال : "أنت فيهم" ثم قال النبي - صلى الله عليه وسلم : " أول جيش من أمتي يغزون مدينة قيصر– أي القسطنطينية – مغفور لهم" فقلت : أنا فيهم يا رسول الله ؟ قال : لا ""صحيح الإمام البخاري" (2766) .
قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله تعالى : " قال المهلب في هذا الحديث : منقبة لمعاوية لأنه أول من غزا البحر » « الفتح » (6/120).
وقال ابن حجر – رحمه الله تعالى : " ومعنى أوجبوا : أي فعلوا فعلاً وجبت لهم به الجنة" "الفتح" (6/121).
وقال المناوي – عفا الله تعالى عنه : « أي فعلوا فعلاً وجبت لهم به الجنة أو أوجبوا لأنفسهم المغفرة والرحمة" " فيض القدير"(3/84)
قال حافظ المغرب ابن عبد البر – رحمه الله تعالى : " وفيه فضل لمعاوية - رحمه الله تعالى - إذ جعل من غزا تحت رايته من الأولين، ورؤيا الأنبياء - صلوات الله عليهم– وحي" « التمهيد » (1/235).
وقال الحافظ ابن حجر – رحمه الله تعالى : " قوله : « ناس من أمتي عرضوا علي غزاة ... » يشعر بأن ضحكه كان إعجاباً بهم، وفرحاً لما رأى لهم من المنزلة الرفيعة" « الفتح » (11/3).
ومن مناقبه – رضي الله تعالى عنه- أنه أحد كتاب الوحي :
في "صحيح الإمام مسلم" عن ابن عباس – رضي الله تعالى عنهما- قال : كان المسلمون لا ينظرون إلى أبي سفيان ولا يقاعدونه، فقال للنبي - صلى الله عليه وسلم : يا نبي الله ثلاث أعطنيهن : قال : نعم .
قال : عندي أحسن العرب وأجمله أم حبيبة بنت أبي سفيان أزوجكها، قال : نعم .
قال : ومعاوية تجعله كاتباً بين يديك، قال : نعم .
قال : وتؤمرني حتى أقاتل الكفار كما كنت أقاتل المسلمين، قال : نعم" « صحيح مسلم » (2501) .
قال الإمام أحمد – رحمه الله تعالى : معاوية - رضي الله عنه – كاتبه، وصاحبه، وصهره، وأمينه على وحيه - عز وجل .
وقد علق شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله تعالى- على زعم ابن ( المنجس، لا ) المطهر الرافضي عن أهل السنة « وسموه كاتب الوحي ولم يكتب له كلمة من الوحي »
فقال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله تعالى : " فهذا قول بلا حجة, فما الدليل على أنه لم يكتب له كلمة واحدة من الوحي, وإنما كان يكتب له الرسائل""منهاج السنة النبوية"(4/427)
وقال - رحمه الله تعالى- عن معاوية – رضي الله تعالى عنه : "هو واحد من كتاب الوحي" "منهاج السنة..."(4/442)
وفي كتاب "السنة" للخلال (2/434) قال الإمام أحمد - رحمه الله تعالى - فيمن قال : لا أقول أن معاوية كاتب الوحي، ولا أقول أنه خال المؤمنين, فإنه أخذها بالسيف غصباً ؟!
قال أبو عبد الله : هذا قول سوء رديء يجانبون هؤلاء القوم ولا يجالسون ونبين أمرهم للناس" "السنة" للخلال (2/434) .
* ومن مناقبه – رضي الله تعالى عنه- أنه خال المؤمنين :
يقول الموفق ابن قدامة المقدسي – رحمه الله تعالى : "ومعاوية خال المؤمنين، وكاتب وحي الله، وأحد خلفاء المسلمين – رضي الله تعالى عنهم" "لمعة الاعتقاد" ص(33)
وقال القاضي أبو يعلى – رحمه الله تعالى- في "تنزيه خال المؤمنين" : " ويسمى إخوة أزواج رسول الله - صلىالله عليه وسلم - أخوال المؤمنين, ولسنا نريد بذلك أنهم أخوال في الحقيقة, كأخوال الأمهات من النسب, وإنما نريد أنهم في حكم الأخوال في بعض الأحكام, وهو التعظيم لهم" "تنزيه خال المؤمنين" ص(106)
وروى الخلال في السنة (3/434) بسند صحيح قال أبو بكر المروذي : سمعت هارون بن عبد الله يقول لأبي عبد الله : " جاءني كتاب من الرَّقة أن قوماً قالوا : لا تقول معاوية خال المؤمنين فغضب وقال : ما اعتراضهم في هذا الموضع ؟ يُجفون حتى يتوبوا" .
وقال الإمام أحمد في السنة (2/433) : « أقول : معاوية خال المؤمنين, وابن عمر خال المؤمنين ؟ قال : نعم معاوية أخو أم حبيبة بنت أبي سفيان زوج النبيصلى الله عليه وسلم ورحمهما, وابن عمر أخو حفصة زوج النبيصلى الله عليه وسلم ورحمهما » .
وذكر ابن العربي – رحمه الله تعالى- في كتابه "العواصم" أنه دخل بغداد وأقام فيها زمن العباسيين والمعروف أن بين بني العباس وبني أمية ما لا يخفى على الناس، فوجد مكتوباً على أبواب مساجدها "خير الناس بعد رسول الله- صلى الله عليه وسلم - أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي ثم معاوية خال المؤمنين رضي الله عنهم أجمعين" .
* ومن مناقبه – رضي الله تعالى عنه- حسن سياسته حال خلافته :
ذلك أن عمر - رضي الله عنه - ولاه على الشام، وأقره عثمان - رضي الله عليه-أيضا مدة خلافته كلها، وحسبك بمن يوليه عمر وعثمان - رضي الله عنهما -على الشام نحوا من عشرين سنة فيضبطه ولا يعرف عنه عجز ولا خيانة .
قال الهيتمي – عفا الله تعالى عنه : "اتفاق كل من عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان -رضي الله عنهما- وهما من هما في الفضل والصحبة ولهما المكان الأعلى والمثل من الورع والدين والتقى وسداد الرأي وحسن الفكر وتمام النظر، على تأمير معاوية - رضي الله عنه - على الشام لهو اكبر دليل على فضل معاوية واستحقاقه لهذه المنزلة . فأي فضل بعد هذا؟!
ومنها أن عمر- رضي الله عنه- مدحه وأثنى عليه، وولاه دمشق الشام مدة خلافة عمر، وكذلك عثمان - رضيالله عنه- وناهيك بهذه منقبة عظيمة من مناقب معاوية ومن الذين كان عمر يرضى به لهذه الولاية الواسعة المستمرة .
وإذا تأملت عزل عمر لسعد بن أبي وقاص الأفضل من معاوية بمراتب وإبقائه لمعاوية على عمله من غير عزل له؛ علمت بذلك أن هذه ينبئ عن رفعة كبيرة لمعاوية وانه لم يكن ولا طرأ فيه قادح من قوادح الولاية وإلا لما ولاه عمر أو لعزله .
وكذا عثمان وقد شكا أهل الأقطار كثيراً من ولاتهم على عمر وعثمان فعزلا عنهم من شكوهم وإن جلت مراتبهم، وأما معاوية فأقام في إمارته على دمشق الشام هذه المدة الطويلة، فلم يشك أحد منه، ولا اتهمه بجور ولا مظلمة، فتأمل ذلك ليزداد اعتقادك أو لتسلم من الغباوة والعناد والبهتان""تطهير الجنان".
قال الحافظ الذهبي – رحمه الله تعالى : "حسبك بمن يؤمره عمر ثم عثمان على إقليم – وهو ثغر – فيضبطه ويقوم به أتم قيام، ويرضى الناس بسخائه وحلمه، وإن كان بعضهم تألم مرة منه، وكذلك فليكن الملك وإن كان غيره من أصحاب رسول الله؟ خيراً منه بكثير، وأفضل وأصلح، فهذا الرجل ساد وساس العالم بكمال عقله وفرط حلمه، وسعة نفسه، وقوة دهائه، ورأيه، وله هنات وأمور، والله الموعد .
وكان محبباً على رعيته، عمل نيابة الشام عشرين سنة والخلافة عشرين سنة ولم يهجه أحد في دولته، بل دانت له الأمم وحكم على العرب والعجم، وكان ملكه على الحرمين ومصر والشام والعراق وخراسان وفارس والجزيرة واليمن والمغرب وغير ذلك" "سير أعلام النبلاء" (3/132) .
بل تراه – رضي الله تعالى عنه – يقول : "إني لست بخيركم، أن فيكم من هو خير مني : ابن عمر، وعبد الله ابن عمرو، وغيرهم، ولكني عسيت أن أكون أنكاكم في عدوكم، و أنعمكم لكم ولاية، و أحسنكم خلقاً" "سير أعلام النبلاء" (3/150).
* ومن مناقبه – رضي الله تعالى عنه- أنه خير الملوك :
* روى اللالكائي في « شرح أصول اعتقاد أهل السنة » (2781) ، والخلال في « السنة » (2/442) رقم (680) وابن عساكر في « تاريخ دمشق » (59/173) بسنده عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال : ما رأيت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أسود من معاوية، فقيل : ولا أبوك ؟ قال : أبي عمر رحمه الله خير من معاوية، وكان معاوية أسود منه" وجاء ما يقويه فرواه أيضاً الخلال في «السنة» (2/442-443) وبرقم (679و681) بنحوه، وابن عساكر في « تاريخه » (59/174) والبخاري في «التاريخ الكبير» (7/327) مختصراً من طريق نافع عن ابن عمر . وانظر«سير أعلام النبلاء» (3/153) فهو حسن .
* وروى معمر في جامعه ( برقم : 20985) والخلال في « السنة » (2/440) برقم (677) وابن عساكر في « تاريخ دمشق » (59/175) من طريق وهب بن منبه، عن ابن عباس - رضي الله عنهما قال : ما رأيت رجلاً كان أخلق للملك من معاوية، كان الناس يردون منه على أرجاء واد رحب ولم يكن بالضيق الحصر العُصعُص المتغضب" ورواه أيضاً البلاذري في أنساب الأشراف (5/54) من طريق أبي عبدالله الحنفي عن رجل عن ابن عباس - رضي الله عنهما .
لأجل ذلك : قال شيخ الإسلام – رحمه الله تعالى : "لم يكن من ملوك الإسلام ملك خير من معاوية..." "منهاج السنة"
وقال – رحمه الله تعالى : " ولم يتولّ أحدٌ من الملوك خيراً من معاوية، فهو خير ملوك الإسلام، و سيرته خيرٌ من سيرة سائر الملوك بعده" "منهاج السنة النبوية" (7/453).
وقال مؤرخ الإسلام الحافظ شمس الدين الذهبي – رحمه الله تعالى- في ترجمته : " أمير المؤمنين، ملك الإسلام" "سير أعلام النبلاء" (3/120).
وقال – رحمه الله تعالى : "ومعاوية من خيار الملوك، الذين غلب عدلهم على ظلمهم" "سير أعلام النبلاء"(3/159) .
وقال العلامة ابن أبي العز الحنفي – رحمه الله تعالى : "وأول ملوك المسلمين معاوية - رضي الله عنه- وهو خير ملوك المسلمين" « شرحه على الطحاوية » (2/302) وانظر « البداية والنهاية » (8/93) و"تفسير القرآن العظيم" للحافظ ابن كثير (2/15).
ونقل الاتفاق على ما تقدم شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله تعالى : "واتفق العلماء على أن معاوية أفضل ملوك هذه الأمة، فإن الأربعة قبله كانوا خلفاء نبوة، وهو أول الملوك، كان ملكه ملكاً ورحمة" "مجموع الفتاوى"(4/478).
ثناء السلف على سيدنا معاوية - رضي الله تعالى عنه
* في "صحيح البخاري" : " قيل لابن عباس : هل لك في أمير معاوية فإنه ما أوتر إلا بواحدة، قال : إنه فقيه""صحيح البخاري" (3765) .
* روى الطبراني في "مسند الشاميين"(283) ، وأبو نعيم في « الحلية » (8/275) بسنده عن أبي الدرداء قال : ما رأيت أحداً أشبه صلاة برسول الله من أميركم هذا - يعني معاوية - .
قيل لقيس : أين صلاته من صلاة عمر . قال : لا أخالها إلا مثلها" قال الهيثمي في «المجمع» (9/357) : « ورواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح غير قيس بن الحارث المذحجي وهو ثقة » .
وعن أبي الدرداء - رضي الله عنه – قال : "ما رأيت أشبه صلاة برسول الله - صلى الله عليه وسلم- من أميركم هذا - يعني معاوية" "تاريخ دمشق"(52/235) والذهبي في السير (3/135)
* روى ابن عساكر في « تاريخ دمشق » (59/211) وبنحوه الآجري في « كتاب الشريعة » (5/2466) عن عبدالله بن المبارك أيهما أفضل : معاوية بن أبي سفيان أم عمر بن عبدالعزيز ؟ فقال : والله إن الغبار الذي دخل في أنف معاوية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل من عمر بألف مرة صلى معاوية خلف رسول الله صلىالله عليه وسلم ، فقال : سمع الله لمن حمده ، فقال معاوية : ربنا ولك الحمد فما بعد هذا؟" وذكره كذلك ابن خلكان في "وفيات الأعيان"(3/131)
* وأخرج الآجري « كتاب الشريعة » (5/2466) واللالكائي في « شرح السنة » (2785) والخطيب البغداديفي « تاريخه » (1/233) وابن عساكر في « تاريخ دمشق » (59/208) بسند صحيح عن الجراح الموصلي قال : سمعت رجلاً يسأل المعافى بن عمران فقال : يا أبا مسعود، أين عمر بن عبدالعزيز من معاوية بن أبي سفيان ؟! فرأيته غضب غضباً شديداً وقال : لا يقاس بأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أحد، معاوية رضي الله عنهكاتبه وصاحبه وصهره وأمينه على وحيه عز وجل .. الحديث .
* وأخرج الآجري في « كتاب الشريعة » (5/2465) ، وابن عبد البر في « جامع بيان العلم وفضله » (2/185) ، والخلال في « السنة » (2/434) ورقم (666) بإسناد صحيح عن أبي أسامة حماد بن أسامة ، قيل له : أيهما أفضل معاوية أو عمر بن عبد العزيز، فقال لا يقاس بأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -أحداً, قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : « خير الناس قرني » .
* روى الخلال في « السنة » بسند صحيح (2/434) ورقم (660) عن أبي بكر المروذي قال : قلت لأبي عبدالله أيهما أفضل : معاوية أو عمر بن عبدالعزيز ؟ فقال : معاوية أفضل، لسنا نقيس بأصحاب رسول الله - صلىالله عليه وسلم-أحداً، قال النبي - صلى الله عليه وسلم : « خير الناس قرني الذي بعثت فيهم » .
* وروى الخلال في « السنة » بسند صحيح (2/435) ورقم (664) سئل المعافي بن عمران الأزدي : معاوية أفضل أو عمر بن عبد العزيز؟ فقال : كان معاوية أفضل من ستمائة مثل عمر بن عبد العزيز .
وفي "تاريخ دمشق" : "... تراب في أنف معاوية أفضل من عمر بن عبد العزيز"
و"... لتراب في منخري معاوية مع رسول الله خير أو أفضل من عمر بن عبد العزيز"
"... يقول سمعت المعافى بن عمران وسأله رجل وأنا حاضر أيما أفضل معاوية بن أبي سفيان أو عمر بن عبد العزيز ؟ فرأيته كأنه غضب وقال: يوم من معاوية أفضل من عمر بن عبد العزيز ثم التفت إليه فقال: تجعل رجلا من أصحاب محمد مثل رجل من التابعين؟! "
و"... فغضب من ذلك غضبا شديدا وقال: لا يقاس بأصحاب رسول الله أحد معاوية صاحبه وصهره وكاتبه وأمينه على وحي الله عز وجل وقد قال رسول الله دعوا لي أصحابي وأصهاري فمن سبهم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين" "تاريخ دمشق"(59/207)
ذكر الخلال في كتاب "السنة (666) أخبرني محمد بن يزيد بن سعيد النهرواني قال وجدت في كتاب أبي بخطة قال حدثني الفضل بن جعفر قال يا أبا عبدالله أيش تقول في حديث قبيصة عن عباد السماك عن سفيان : أئمة العدل خمسة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وعمر بن عبد العزيز؟ فقال: هذا باطل ـ يعني ما ادعي على سفيان ـ ثم قال أصحاب رسول الله لا يدانيهم أحد أصحاب رسول الله لا يقاربهم أحد" .
* روى الخلال في « السنة » (2/432) ورقم (654) واللالكائي في « شرح أصول اعتقاد أهل السنة » (8/1532) عن عبد الملك بن عبد الحميد الميموني قال : قلت لأحمد بن حنبل : أليس قال النبي - صلىالله عليه وسلم : " كل صهر ونسب ينقطع إلا صهري ونسبي" ؟ قال : بلى ، قلت : وهذه لمعاوية ؟ قال : نعم، له صهر ونسب, قال : وسمعت ابن حنبل يقول : ما لهم ولمعاوية نسأل الله العافية" .
وعن الأعمش أنه ذكر عنده عمر بن عبد العزيز وعدله، فقال : فكيف لو أدركتم معاوية ؟ قالوا : يا أبا محمد يعني في حلمه ؟ قال : لا والله بل في عدله""السنة" للخلال (1/437) .
* روى الخلال في «كتاب السنة» (2/438) ورقم (669) والآجري في «الشريعة» (5/2465) ، وابن عساكرفي «تاريخ دمشق» (59/172) عن مجاهد قال : " لو رأيتم معاوية لقلتم هذا المهدي" .
وقال قتادة – رحمه الله تعالى : " لو أصبحتم في مثل عمل معاوية لقال أكثركم : هذا المهدي" "منهاج السنة" (6/232) .
* روى الخلال في « كتاب السنة » (2/444) ورقم (683) عن الزهري قال : عمل معاوية بسيرة عمر بن الخطاب سنين لا يخرم منها شيئاً"
* وروى الخلال في « السنة » (2/438) ورقم (670) من طريق أبي بكر بن عياش عن أبي إسحاق السبيعي : "ما رأيت بعده مثله يعني معاوية" .
وما أجمل ما رواه الخطيب البغدادي في « تاريخ بغداد » (1/208) وابن عساكرفي « تاريخ دمشق » (58/168) من طريق ابن شهاب حدثني عروة بن الزبير إن مسور بن مخرمة قدم وافداً إلى معاوية بن أبي سفيان فقضى حاجته ثم دعاه، فأخلاه، فقال : يا مسور ما فعل طعنك على الأئمة .
قال المسور : دعنا من هذا وأحسن فيما قدمنا له .
فقال معاوية : لا والله لتكلمن بذات نفسك والذي نقمت علي .
قال المسور : فلم أترك شيئاً أعيبه عليه إلا بينته له .
فقال معاوية : لا أبرأ من ذنب، فهل تعد لنا يا مسور مما نلي من الإصلاح في أمر العامة فإن الحسنة بعشر أمثالها أم تعد الذنوب .
فقال معاوية : فإنا نعترف لله بكل ذنب أذنباه، فهل لك يا مسور ذنوب في خاصتك تخشى أن تهلك إن لم يعفوالله لك ؟ .
فقال المسور : نعم .
فقال معاوية : فما جعلك برجاء المغفرة أحق مني فو الله لما آلي من الإصلاح أكثر مما تلي، ولكن والله لا أخير بين أمرين أمر لله وغيره إلا اخترت أمر الله على ما سواه، وإني لعلى دين يقبل فيه العمل ويجزى فيه بالحسنات والذنوب إلا أن يعفو الله عنها فإني أحسب كل حسنة عملتها بأضعافها من الأجر وآلي أموراً عظاماً لا أحصيها ولا يحصيها من عمل بها لله في إقامة الصلوات للمسلمين والجهاد في سبيل الله والحكم بما أنزل الله والأمور التي لست أحصيها وإن عددتها فتكفي في ذلك .
قال مسور : فعرفت أن معاوية قد خصمني حين ذكر ما ذكر .
قال عروة بن الزبير : لم أسمع المسور بعد يذكر معاوية إلا صلى عليه" ورواه عبدالرزاق في « مصنفه » (7/207) بنحوه من طريق معمر عن الزهري عن حميد بن عبدالرحمن عن المسور وإسناده صحيح . قال ابن عبدالبر في « الاستيعاب » (671) : « وهذا الخبر من أصح ما يروى من حديث ابن شهاب رواه عنه معمر وجماعة من أصحابه » ورواه أيضاً شعيب عن الزهري عن عروة عن المسور بنحوه (13) . ورواه بنحوه البلاذري في أنساب الأشراف (5/53) من طريق عبدالحميد بن جعفر عن عبدالرحمن بن المسور بن مخرمه عن أبيه (14) ورواه أيضاً البلاذري (5/42) بنحوه من طريق آخر"([3])
عظيم حلمه وكمال سؤدده :
" قال قبيصة بن جابر – رحمه الله تعالى : ما رأيت أحداً أعظم حلماً ولا أكثر سؤدداً ولا أبعد أناة ولا ألين مخرجاً، ولا أرحب باعاً بالمعروف من معاوية.
وقال بعضهم: أسمع رجل معاوية كلاماً سيئاً شديداً، فقيل له لو سطوت عليه؟ فقال : إني لأستحي من الله أن يضيقَ حلمي عن ذنب أحد رعيتي .
وفي رواية قال له رجل : يا أمير المؤمنين ما أحلمك؟ فقال : إني لأستحي أن يكون جرم أحد أعظم من حلمي"
وعن جعفر بن برقان قال: قال معاوية – رضي الله تعالى عنه : لا يبلغ الرجل مبلغ الرأي حتى يغلب حلمه جهله، وصبره شهوته، ولا يبلغ ذلك إلا بقوة الحلم""تاريخ دمشق"(62/127)
وقد أفرد ابن أبي الدنيا وأبو بكر بن أبي عاصم تصنيفاً في حلم معاوية - رضي الله عنه -ولعل هذا من بركة دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم لمعاوية" انظر "تاريخ الإسلام" للذهبي ص(315) .
المصدر: منتديات نور اليقين